هذا المقال ليس تقليلاً من قيمة وقدر كل من أصبح أميناً عاماً للجامعة العربية.. فالأمناء السبعة الذين تولوها كانت لكل واحد منهم مزاياه وكفاءاته.. من عبدالرحمن عزام - الأمين الأول - إذ كان أكثر العرب عداءً للإنجليز، ومحمود رياض الأكثر قدرة على احتواء المشاكل، وعصمت عبدالمجيد الأكثر دبلوماسية - فهو تلميذ والد الدبلوماسية المصرية محمود فوزى - إلى عمرو موسى الأكثر شعبية لقدراته الشخصية والكاريزما التى تمتع بها، ونبيل العربى الأكثر علماً بالقانون الدولى.. وخبرة بالاتصالات الدولية.. ولا ننسى هنا عبدالخالق حسونة أكثرهم هدوءاً وباشويته الراسخة.. وحتى الشاذلى القليبى التونسى، الذى حاول إنقاذ الجامعة خلال صعود «الصوت الجهورى» لصدام حسين وتوابعه فى الدول العربية.
ولكن يلاحظ أن معظم هؤلاء نال الجائزة الكبرى.. أو المكافأة الأكبر، أو سموها مكافأة نهاية الخدمة، فى نهاية مشواره الدبلوماسى الطويل.. وهى مكافأة معنوية.. قبل أن تصبح مكافأة مالية حتى ولو كانت.. بالدولار!! ورغم أن درجته الدبلوماسية - حتى وهو أمين عام للجامعة - هى بدرجة سفير، والأمين المساعد بدرجة وزير مفوض، كما تنص المادة 12 من ميثاق الجامعة الموقع يوم 22 مارس 1945 ولمدة عامين.. حتى وإن زادت مدته فى الأمانة العامة.
ومناسبة هذا المقال إعلان الدكتور نبيل العربى - الأمين العام الحالى - عن رغبته فى عدم تجديد مدته، وترشيح مصر السيد أحمد أبوالغيط ليصبح الأمين العام الثامن للجامعة.. والسؤال الآن: لماذا يتزايد الكل للحصول على هذا المنصب المرموق.. هل لما يتمتع به، عربياً وإقليمياً ودولياً، من مزايا أدبية تقدمه دولياً بعد الأمين العام للأمم المتحدة، ويعامل بدرجة أكبر مما يتعاملون به حتى مع وزراء الخارجية.. بحكم أن هذه الجامعة هى أكبر تجمع إقليمى فى العالم بعد الأمم المتحدة.. رغم أن درجته - ومن البداية - هى بدرجة سفير!!
أم أن المكافأة المالية الضخمة السنوية - وغيرها - هى الأمل وهى المطمح؟! مع التسهيلات التى يحصل عليها - والمزايا - بالذات داخل الدول العربية الخليجية وغيرها.. وهى مزايا عديدة وشديدة السخاء!! أم هو المركز الأدبى عالى المقام، الذى لم يكن أبداً فى بال أحد عندما تم توقيع بروتوكول الإسكندرية بإنشاء الجامعة يوم 7 أكتوبر 1944، ثم منذ توقيع ميثاق الجامعة يوم 22 مارس 1945، ولكن ما هو مشوار الأمين العام للجامعة - من الأول: عبدالرحمن عزام بك الذى حصل بعد ذلك على الباشوية، إلى الأمين العام السابع الدكتور نبيل العربى.
ويعتقد أن منصب الأمين العام يشترط - أو يفضل - أن يحصل عليه من تولى الوزارة فى مصر.. وها هو «الأول» عبدالرحمن عزام أحد المجاهدين العرب الكبار، إذ ساهم فى الحرب الطرابلسية لمقاومة الغزو الإيطالى لليبيا.. وكان وزيراً للأوقاف فى حكومة على ماهر الثانية من 18 أغسطس 1939 إلى 27 يونيو 1940 وكان معه - فى نفس الحكومة - محمد صالح حرب باشا وزيراً للدفاع الوطنى، وهو الذى أنشأ الجيش المرابط.
والثانى: محمد عبدالخالق حسونة باشا، وكان وزيراً للشؤون الاجتماعية فى حكومة حسين سرى «1949-1950»، ثم وزيراً للمعارف فى حكومة على ماهر الثالثة «27 يناير إلى أول مارس 1952»، ثم وزيراً للخارجية فى حكومتى الهلالى الأولى والثانية حتى يوم 24 يوليو 1952.
والثالث: محمود رياض، الذى وقّع عام 1949 اتفاقية رودس مع إسرائيل، وكان وزيراً للخارجية من 24 مارس 64 إلى 17 نوفمبر 1970، قبل أن يصبح نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية حتى يناير 1972.
والرابع: الشاذلى القليبى، وكان رئيساً سابقاً للوزراء فى تونس.
أما الخامس فهو محمد عصمت عبدالمجيد، وكان وزيراً للدولة من 18 نوفمبر 1970، ثم وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء حتى 19 سبتمبر 1971، وكان مديراً لمكتب الدكتور محمود فوزى فى هذه الحكومة.
ونصل إلى الأمين العام السادس.. ومن هو هذا الشخص المرموق الذى كاد يصبح رئيساً لجمهورية مصر، لولا تفتت الأصوات فى هذه الانتخابات، ونقصد به السيد عمرو موسى - ابن محافظة الغربية الشهير - وهو الأكثر شعبية لفرط دبلوماسيته وثقافته وتحركاته التى لا يقدر عليها إلا الشباب!!. أما الأمين الحالى فهو الدكتور نبيل العربى ذو القيمة القانونية الدولية العالية، وكان أيضاً وزيراً للخارجية.
■ ■ ولكن يبقى السؤال: هل أصبحت هذه الوظيفة هى مكافأة نهاية الخدمة لكل الحالمين؟