x

مكاوي سعيد مذكرات عبد أمريكى مكاوي سعيد الإثنين 29-02-2016 21:25


فى الثمانينيات عندما تم تحويل رواية (الجذور) للكاتب الزنجى الأمريكى «أليكس هيلى» إلى مسلسل تليفزيونى انشغل العالم كله بهذا المسلسل الرائع، فقد قدم بعض صور لما كابده الزنوج تحت وطأة نظام العبودية، وهو أبشع نظام ابتليت به البشرية، وعندما قرأوا الرواية اتسع الكادر قليلا ودفع بالمهتمين فى كل بقاع العالم للبحث والتنقيب عن كل ما كتب عن هذه الفترة الدموية من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وفى الحقيقة هى لا تقاس بما حدث لأصحاب الأرض الأصليين (قبائل الهنود الحمر) من إبادة وحشية لا توجد لها مثيل لحضارة وثقافة إنسانية إلى أن تم محوها من جغرافية العالم، وهم فى نفس الوقت لم يعملوا على إبادة الزنوج لأنهم أصلا لم يكونوا بالقارة الأمريكية، بل جلبوهم من أفريقيا من خلال رحلات صيد كبرى وحشروهم فى ظل ظروف أقل من الحيوانية، واعتبروهم جزءًا من قوتهم ورأسماليتهم، وفى سبيل ذلك ارتكبوا أبشع وسائل الضرب والتعذيب فى محاولة لمحو ثقافة الزنوج وطمس أى أثر يدل على وجود علاقة- من أى نوع- لهم بالجنس البشرى! ولم تكن مأساة الزنوج فى ولايات الجنوب فقط كما يحاول البعض الإيحاء بذلك، لكن فى كل الولايات تقريبا شمالا وجنوبا، فالرجل الأبيض متميز عن جنسهم فى كل الأحوال، إنما فى ولايات الجنوب كانت المأساة أشمل وأعم من حيث انتشار تجارة بيع العبيد لاستخدامهم غير الآدمى فى المزارع الواسعة، والقسوة الوحشية من أجل إخضاع الزنوج للنظم التى فرضت عليهم.

كثير من هؤلاء الزنوج لم يحتملوا الظلم والعذاب وفروا، ومنهم من قبض عليه وشنق أمام مواطنيه، ومنهم من أفلت يواجه مصيره المجهول. ومن الذين نجحوا فى الهروب كان «فريدريك دوجلاس»، مؤلف هذا الكتاب المعنون به المقال (مذكرات عبد أمريكى)، الذى يتضمن سيرته الذاتية، وقد أنهى كتابتها فى 28 إبريل من عام 1845، وهو من ترجمة الكاتب الروائى «إبراهيم عبدالمجيد» والناشر (بيت الياسمين) 2016، والمؤلف كان مختلفاً عن غيره من مواطنيه، فقد فهم فكرة العبودية مبكرًا، لذا هرب مبكرًا إلى الولايات الشمالية، وانضم إلى الجماعات المناهضة للعبودية حتى صار من أكبر رجالها وخطبائها، وقائدًا متحمسًا لبنى جنسه من الملونين، ثم أصبح وزيرًا فى الحكومة الاتحادية بعد الحرب التى انتهت بتحرير الزنوج مبدئياً. وسيرة «فريدريك دوجلاس» تصور- بصدق بالغ الأثر- فظاعة الحياة تحت مظلة العبودية وبشاعة ما كان يحدث من حوله بتفاصيل كثيرة، عندما نشرت للمرة الأولى أحدثت صدمة كبرى فى الأوساط الأمريكية. وهو كتاب ممتع وقاس، لكنه قادر على تفسير المعاناة الأمريكية المستمرة مع إرثها القديم، ويفسر أيضا السلوك الأمريكى مع الدول الصغرى كما يحدث منذ فترة ليست بعيدة! وهذا مفتتح السيرة.

(ولدت فى توكاهوى، بولاية ميريلاند، لم تكن لدى أى معرفة دقيقة عن عمرى، ولم أر أبدًا أى سجل حقيقى له، فالقسم الأكبر من العبيد يعرفون عن أعمارهم كما تعرف الخيول عن أعمارها، لا أتذكر أننى قابلت عبدًا استطاع أن يخبرنى بيوم مولده، وكانت رغبتى فى معرفة تاريخ مولدى مصدر تعاسة لى فى طفولتى، فالأطفال البيض يعرفون تاريخ ميلادهم، ولم أستطع تفسير لماذا انتزعت منى هذه الميزة!).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية