x

درية شرف الدين الأحداث الكاشفة درية شرف الدين الثلاثاء 08-03-2016 22:02


تفاصيل صغيرة تحيط بحياة المصريين الآن، ربما يرى البعض أنها لا تحمل نفس ثقل الأحداث الكبرى ولا أهميتها، لكن من مجموع تلك التفاصيل المتناثرة يومياً فى الشارع المصرى تتشكل توجهات الرأى العام ومواطن رفضه أو قبوله، ارتياحه أو غضبه، تتراكم ردود أفعاله وتشكل الحالة التى عليها هذا الشارع. فعندما يصدر حكم بسجن ثلاثة أطفال والتهمة «ازدراء الأديان» يبدو الأمر فى بدايته كنكتة بايخة، ست وثلاثون ثانية سجلها الثلاثة على سبيل اللهو لحادثة قتل مسيحيين مصريين على أيدى مجرمى داعش فى ليبيا، قتلوا وكبّروا، قلّدهم الأطفال ولم يفلحوا فى أداء الصلاة كما يجب فحق عليهم السجن، ازدراء من المؤكد أنهم لا يفقهون معناه. وعلت الدهشة وجوه المصريين.

ثم أيام قليلة تمضى لتكشف من جديد عن مجموعات وأفراد من أمناء الشرطة يعلنون الاحتجاج، مطالبين بالمزيد من المزايا التى تعودوا الحصول عليها بفعل الضغط وتطاول أيادى البعض منهم بالاعتداء على مواطنين بالسحل وبالقتل، ولم يلحظ الناس تحركاً مضاداً من مؤسسات الدولة المسؤولة، حتى أصدر الرئيس تعليماته لوزير الداخلية بضرورة تعديل تشريعات الشرطة لضبط الأداء الأمنى فى الشارع المصرى، تدخل الرئيس فيما كان لابد لغيره أن يتنبه له ويواجهه. ثم أيام قليلة تالية تمضى ليعلن سائقو التاكسى الأبيض احتجاجهم على وجود خدمة محترمة لسيارات أجرة منافسة وكأن البهدلة وقلة القيمة هى قدر المواطن فى التعامل مع وسائل المواصلات، استنفروا أنفسهم لاستدراج السيارات المنافسة والتهليل عليها وتسليم سائقيها لشرطة المرور، ويا للعجب وكأن شرطة المرور تراهم فى شوارع المحروسة لأول مرة وتعلن أنهم يعملون بلا تراخيص، وعلينا أن نقنع بأن شركات تستخدم الإنترنت والتليفون وتسجل بيانات الناس لتحديد أماكنهم وتتعامل مع البنوك فى استخلاص مستحقاتها من بطاقاتهم البنكية وعبر أشهر طويلة وفجأة يتضح أنهم مخالفون.

وتتوالى التفاصيل فى الشارع المصرى وهذه المرة من بنى مزار فى الصعيد، فتيات المدرسة الفنية هناك وأعمارهن لا تتعدى الثامنة عشرة يقفن وقفة رجل واحد ويرفضن بإباء وشمم تعيين مديرة مسيحية لمدرستهن، تظاهرن وعلت أصواتهن وتدخلن فيما لا يملكن قراره، والنتيجة رضوخ السيد وكيل وزارة التعليم بالمنيا لهؤلاء المراهقات وأعلن سحب قراره، ولم تجد تلك المواطنة المصرية من يدافع عنها ولا عن مبدأ المواطنة ولا عن مبادئ الدستور التى تقضى بالمساواة، تغلّب الصوت العالى لأولياء أمور وأقارب هؤلاء الفتيات الذين اتخذوا منهن واجهة للاعتراض وما زالت الحالة كما هى حتى الآن.

وتتوالى حكايات كثيرة فى الشارع المصرى قد يظن البعض أنها تمرّ مرور الكرام على المواطنين المنهكين من جراّء ارتفاع الأسعار وزحمة الشوارع وسيرك مجلس النواب وفحيح القنوات الفضائية، لكن الحقيقة أن سجن الأطفال وتجاوزات الأمناء وتحكمات أصحاب التاكسى الأبيض وحرمان مواطنة مصرية من وظيفة تستحقها بضغط أطفال المدارس، كل ذلك يترك آثاره فى عقول الناس ونفوسهم، يقيسون مدى ثِقل السلطة ومقدار هيبتها ويستشرفون مستقبل الشارع المصرى معها، هى أحداث صغيرة لكنها بالقطع كاشفة ومؤثرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية