لو كنت فى مكان وزير الصحة الدكتور أحمد عماد لذهبت إلى «دار الحكمة» يوم الثلاثاء المقبل، وحضرت جلسة التحقيق امتثالاً لقرار الجمعية العمومية، ولواجهت المحققين بالموقف الملتبس سياسياً، ولنزعت فتيل الفتنة بين الوزارة والنقابة، ولفوّت الفرصة على المزايدين، ووضعت النقاط فوق الحروف فى الأزمة المستمرة بلا انقطاع بين الحكومة والنقابة والتى تدخل أصعب مراحلها يوم 19 مارس المقبل بإعلان الإضراب العام.
مثول الوزير بصفته طبيباً إنفاذاً لقرار الجمعية العمومية، لا يُنقص قدره الوزارى، بل يزيد قدره الطبى، الأصل فى الدكتور أحمد عماد طبيب، وما ترشح للوزارة إلا على هذه الأرضية وهذه الصفة النبيلة، يقيناً أن تكون طبيباً يخفف آلام المرضى أكثر رفعة من كونك وزيراً، الوزير مهمة، الطب رسالة، وعلى الوزير أن يستميت فى الحفاظ على عضويته النقابية، فهو قبل الوزارة وبعدها طبيب.
إذا ذهب الوزير إلى «دار الحكمة»، أعتبره ذهاباً متأخراً، ولكن أن تذهب إلى دارك متأخراً أفضل من ألا تذهب أبداً، مثول الوزير أمام لجنة التحقيق اعتبار للجمعية العمومية، واعتراف بقراراتها، وعلى هذه الأرضية يمكن الوصول إلى توافقات غابت لغياب الوزير عن الأزمة، وعدم تقدير الموقف حق قدره، وكان وجوده بين زملائه فى أتون الأزمة كفيلاً بتفكيكها قبلًا، وها هى الفرصة سانحة لتفكيكها لاحقاً على أرضية هذا المثول الاختيارى، ليس من الحكمة الغياب عن «دار الحكمة» أكثر من هذا.
موقف الوزير من هذه الأزمة مثل موقف الحكومة، ملتبس سياسياً يحتاج إلى إيضاح وبيان عملى على احترام الهيئة الطبية التى تعبر عنها «دار الحكمة»، وإن اختلفنا معها فى بعض قراراتها، وتردد الحكومة إبّان الأزمة وما صدر عنها لم يفكك الاشتباك، بل صب الزيت على النار المشتعلة، لم يتطوع الوزير لإطفاء النار، ورغم تكليفه من رئيس الوزراء بالتواصل مع مجلس النقابة إلا أن رسالته ضلت الطريق فى الطريق، وتقطعت الأسباب وصار الوزير متهماً فى عيون الأطباء، وبلغ الأمر ذروته بقرار الجمعية بإقالة الوزير تأسيساً على الغياب، وتصريحاته بضعف التأهيل الطبى لشباب الأطباء التى سقطت فى صدع الأزمة، غاب عنها التوفيق السياسى بالكلية.
أعلم أن دعوة رئيس الوزراء للقاء بمجلس النقابة لاتزال مطروحة ويجب ألا يتاخر المهندس شريف أكثر من هذا، وأخشى أن ضغط اجتماعات بيان الحكومة أمام البرلمان على أجندة رئيس الوزراء يؤخر الاجتماع المرتقب، وأعلم أيضاً أن رئيس الوزراء راغب بالكلية فى تطييب الخواطر، وسبق أن وجه دعوة إلى الطبيبين المعتدى عليهما فى مستشفى «المطرية» إلى لقائه، ولكن ذهبت الدعوة مشوهة، وكأنها دعوة إلى«رحلة عمرة»، فرفضها الطبيبان، مما أثر فى نفسية رئيس الوزراء، ولكن التوضيح الذى قام به صحفيون وكتاب محترمون بدّد هذه الغيمة من نفس رئيس الوزراء الذى وعد بلقاء مجلس النقابة لتعويض ما فات على الحكومة من هذه الأزمة المستمرة.
على الدكتور أحمد عماد أن يذهب إلى دار الحكمة، لأنها نقابته الوطنية، والفرصة سانحة على هامش التحقيق للتواصل مع مجلس النقابة، وصولاً إلى خطاب الجمعية العمومية بلسان الحكومة، تداركاً لما فات وتأسيساً لما سيأتى، ولوضع النقاط فوق الحروف، وبحث المختلف، وتعظيم المتفق.
ما يصيب الأطباء يصيب الوزير باعتباره طبيباً، وما يصيب الحكومة يصيب الطبيب أحمد عماد باعتباره وزيراً، والحكمة ضالة الحكيم، ودار الحكمة لا تخلو من حكماء حريصين على إنهاء هذه الأزمة العارضة بين الحكومة والنقابة، وفى دار الحكمة نقيب محترم، الدكتور حسن خيرى، حتماً سيكون فى استقبال الوزير ليشهدا منافع لهما للأطباء، والمصلحة واحدة كرامة الأطباء من كرامة الحكومة، والحكومة الكريمة تكرم الأطباء، وتبر قرارات جمعيتهم الحكومية وفق قاعدة مستقرة لا ضرر ولا ضرار، إذا كان المريض هو المستفيد فى الأخير.