نعم تم العفو رئاسياً عن أربع دُفعات من الشباب المحتجزين الذين لم يثبت بحقهم أى تهم، ولكن الدفعة الخامسة تأخرت كثيراً، الرئيس فى خطابه الأخير فى «مسرح الجلاء» عرج على هذه القضية الخطيرة، «الشباب المحتجزون» ولم تثبت بحقهم أى تهم، ودعا أعضاء مجلس النواب، ولاسيما الشباب منهم، إلى زيارة السجون لاقتراح قوائم جديدة للمُفرج عنهم.
عفواً سيادة الرئيس، المثل الشعبى يحكم، «يا مستنى السمنة من بطن النملة..»، لا تنتظر سيادة الرئيس تحركاً برلمانياً فى هذا الملف، برلمان هايص، والشباب لايص فى السجون، مشكور على الأربع دفعات السابقة، قوائم الانتظار لا تحتمل الانتظار، انتظار ما لا يأتى، إذا انتظروا نواب البرلمان سيقضون عمرهم خلف القضبان. السجون ليست فى أولويات البرلمان، هذه القضية لن تكسبهم شعبية، أتحدى أن يلتف حول هذه القضية عشرة نواب من الذين تحلقوا حول حذاء كمال أحمد!
سيادة الرئيس، خذ الكتاب بقوة، وكمل جميلك، وافرجها، لا تترك شاباً ولا شيخاً بدون تهم وراء القضبان، ولا تنتظر قوائم البرلمان، البرلمان عقبال ما يزور السجون، ويحصر القوائم، ويصفيها وينقيها سيمضى دورته البرلمانية دون أن يقدم قائمة واحدة، وإذا قدمها لن تمر من المصافى الأمنية والعدلية.
فى هذه القضية تحديداً، التأخير ليس خيراً، ياما فى السجن مظاليم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، مصر لا تحتمل ثقل هذا الملف على الضمير، إذا كنت سيادتكم تبحث عن سبب وحيد لأزمة الثقة مع الشباب، هذا هو السبب الرئيس، سيادتك تعد كثيراً فى هذا الملف، ولا يمر خطاب أو حوار إلا وكان هذا الهم حاضراً، وحسناً لا تمارى فيه، وجملتك الأثيرة، «ياما فى السجن مظاليم»، ارفع عنهم الظلم، ولتبر بالوعد، ووعد الحر دين فى رقبته، وسيادتك حر فى بلد حر لا يستحب أبداً أن يسجن شاب دون ذنب أو جريرة، أو يقضى زهرة عمره فى سجون باردة.
واعلم سيادة الرئيس، أن بقاء هؤلاء دون بارقة أمل، يدفعهم للكفر بالوطن، واستمرار سجن هؤلاء احتياطياً لشهور طويلة وسط الإرهابيين يصنع منهم إرهابيين محتملين، ووجودهم وسط المجرمين يحوّلهم إلى مجرمين، الإحساس بالظلم خطير، السجون أخطر مدارس الإرهاب والعنف، والسوابق دالة على ما نقول.
القوائم جاهزة، وتلقتها الرئاسة مرات ومرات، والمطالبات تصم الآذان، فى انتظار الدفعات الخامسة والسادسة وحتى العاشرة، لا يستحب التأخير، وبرنامج زمنى معلن للإفراجات المتوالية يريح القلوب التى فى الصدور، وعام الشباب يفتقد معناه إذا استمر هذا الملف هكذا معلقاً بين أرض الداخلية وسماء القضاء.
معلوم ليس من أدبيات الداخلية الإفراج، هذه جهة حبس وتقديم اتهامات، والقضاء لا يعرف سوى الأوراق، والقضية التى بين أيدينا ليست قضية ورقية، ولكنها قضية مصيرية، كم من أسرة تبيت على أمل واهٍ، كم من أم مخطوف قلبها على ولدها، كم من أب اتحش وسطه يوم افتقد طلة ابنه، لا أزيدكم هموماً وسيادتك مهموم، ولكن من خبر الهم حملا ثقيلاً على ظهره لا يحتمله على أهله وناسه وشعبه.
لا تنتظر برلماناً ولا داخلية ولا قضاء، سارعوا إلى الخيرات، ويوم تفرج عن شاب تكسبه وآخرين للوطن، اكسب هؤلاء لوطنك، لصفك، ولا تسمع للمرجفين، لو هؤلاء نار ما أحرقوا مكانهم، هؤلاء شباب مضلل أو مغرر أو ساقه حظه العاثر إلى المرور على هامش مظاهرة، لا يدرى من أمره شيئاً، فدفع ثمناً باهظاً دون ذنب أو جريرة.
التحسب الأمنى معلوم، والقضاء قضاء، يوصينا المبعوث رحمة للعالمين فى وصيته الخالدة، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».