x

‏«هيثم أبوخليل» إصرار «الجماعة» على تسييس ‏حركتها يبعد من حولها الكثيرين (الحلقة الأخيرة)‏

الجمعة 06-08-2010 11:10 | كتب: اخبار |
تصوير : other

نواصل فى هذه الحلقة نشر الأوراق الإصلاحية، التى ‏تقدم بها مجموعة من الإصلاحيين من جماعة الإخوان ‏عبر القنوات الشرعية منذ ربع قرن فى محاولة لتطوير ‏آليات عمل الجماعة، وهى الأوراق التى لم تحظ ‏بالدراسة أو البحث داخل الجماعة، وفى هذه الحلقة ‏الأخيرة يختتم الباحث هيثم أبوخليل عرض أهم أفكار ‏وملامح الورقة، حيث يوضح كاتبوها الدور المطلوب ‏من الجماعة وتفاعلها بين الظاهرة الإسلامية من جهة ‏وجمهور المتدينين من جهة أخرى. وترصد الورقة هذه ‏المحاور، ويقول كاتبوها: تشهد الظاهرة الإسلامية ‏انتشاراً واسعاً ونمواً متزايداً فى مستويات ومجالات ‏واسعة، نشهده فى المظهر والشكل، ونشهده فى الاقتصاد ‏والتجارة، ونشهده فى الصحافة والإعلام، كما نشهده فى ‏المساجد والندوات الدينية، بل ونشهده فى الفن والتمثيل، ‏ولكن رغم النمو المتزايد والانتشار الواسع للظاهرة ‏الإسلامية، فإن علاقة الجماعة بها مازالت قاصرة وغير ‏قادرة على توظيفها التوظيف الصحيح لصالح المشروع ‏الحضارى الإسلامى وهدفه التغييرى، وهناك العديد من ‏العقبات والأسباب وراء ذلك يمكن إجمالها فيما يلى:‏

‏(1) تعانى الظاهرة من مركب جهل رهيب فهى جاهلة ‏بنفسها، جاهلة بالواقع الذى تعيش فيه، وواقعها بالمقابل ‏جاهل بها وبأهدافها وأطروحاتها، ولا يعرف عنها أحد ‏إلا القليل، اللهم إلا أعداؤها. والجماعة عندما تتعامل مع ‏التيار الإسلامى عموماً ومع جمهور الظاهرة تعانى من ‏آثار هذا الجهل وتتورط فى ما يمكن أن ينتج عنه من ‏أخطاء.‏


‏(2) ضعف شبكة المصالح والعلاقات بين أفراد ‏الظاهرة، وبينهم وبين مجتمعهم، مما يضعف قدرة ‏الظاهرة على التأثير فى واقعها وتصعب عملية التوظيف ‏بالقطع.‏


‏(3) ضعف مؤسسات المجتمع المدنى رغم تضخمها ‏الظاهرى وبالتالى لا توجد قنوات تستوعب استعدادات ‏أفراد جمهور الظاهرة سواء داخل أو خارج مؤسسات ‏الجماعة تتجاوب مع فهمهم للإسلام. ‏


‏(4) إصرار الجماعة على التسييس، ويتضح ذلك فى ‏طرح الحركة وخطابها وأسلوب حركتها فى المنابر ‏العامة التى وصلت إليها، وهذا الإصرار يفض من ‏حولها جمهورا كثيراً إما خوفاُ أو اشمئزازا من السياسة ‏وما عليها من محاذير، وهذا يحرم الجماعة من جماهير ‏عريضة يمكن أن تساعد فى عملية التوظيف. ‏


‏(5) العقلية التنظيمية الحزبية الضيقة لأبناء الجماعة ‏التى لا ترى توظيفاً للطاقات إلا عبر بوابات التنظيم ‏وعلى خطوط سيره أو بمتابعة أطره، والتى لا ترى ‏نجاحاً إلا فى نمو التنظيم رأسياً وأفقياً، والتى تصوغ ‏علاقتها قرباً أو بعداً، اهتماما أو عزوفاً على هذا ‏الأساس.‏


‏(6) ضعف القدرات الإنسانية العامة لأبناء الجماعة فى ‏الاتصال بالناس واكتسابهم والتأثير فيهم وهى مشكلة ‏يعانى منها المجتمع ويلقنها لأبنائه. ‏


‏(7) غياب منهج التعامل مع الآخر وتوظيفه وما يلزمه ‏من أرضية ثقافية. يغيب هذا المنهاج وما يتطلبه من ‏خلفيات وأرضيات ثقافية وبرامج عملية عن مناهج ‏الجماعة.‏


‏(8) انعزال الجماعة شبه الكامل عن الأدوات الرسمية ‏للاتصال والتأثير والتوظيف المناسب. ‏


‏(9) قصور الخطاب الإعلامى والثقافى الإسلامى ‏الصادر عن الجماعة كماً ونوعاً. ‏


‏(10) الانفصال بين مجالى التخصص الحياتى ‏والموهبة، أو مجال عمل الدعوة يضعف قدرة العنصر ‏الإسلامى فى استخدام كل طاقاته، وكذلك رعاية ‏المواهب داخل الجماعة. ‏


‏(11) ضعف التوظيف داخل الجماعة نفسها بحيث تعانى ‏من تكدس فى مجالات معينة وندرة هائلة فى مجالات ‏أخرى. ‏


‏(12) غياب آليات التوظيف وتطبيقاته عن جسم الجماعة ‏أضعف قدرة أبنائها على ممارسة هذا الأمر، ففاقد ‏الشىء لا يعطيه. ‏


‏(13) الفجوة بين الصفوة والجماعة، بوصف الصفوة ‏هى قيادة المجتمع ولو بصورة غير مباشرة، كذلك بين ‏المفكرين والجماعة، بوصف المفكرين مهتمين بها ‏وقادرين على خطاب أعمق تأثيراً. ‏


‏(14) التضييق فى المناخ العام للمجتمع يحجم بين ‏مساحة الاحتكاك بين الجماعة وجمهور الظاهرة. ‏


‏(15) الفهم القاصر للإسلام والتكريس المستمر له فى ‏الذهنية العامة عبر الوسائل المختلفة. ‏


‏(16) غموض وقصور الخطاب الموجه والمنهاج ‏الضابط فى التعامل مع المرأة. ‏


الظاهرة الإسلامية تنمو إذن، ولكن بمعزل عن غالبية ‏الأطر الحركية والتنظيمية والفكرية الموجودة، ولا نبالغ ‏لو قلنا إن تأثير الأطر عليها يكون أحياناً سلباً لا إيجاباً. ‏


إنها تعيش كاملة بالتقريب فى الجو العام للمجتمع وتتأثر ‏به مما أصابها من أمراض عدة نذكر منها:‏


أولاً: الانصراف عن الهم العام وانشغال كل بمشروعه، ‏وينعكس ذلك فى بروز مظاهر التدين الشخصى ‏‏(الحجاب، النقاب، المسبحة...) وضمور قيم التدين ‏الجماعى مثل الاجتهاد فى العمل، والإنفاق فى سبيل الله، ‏وبذل الجهد فى الإنتاج، وغيرها.. ‏


ثانياً: ضعف الثقافة العامة بل والثقافة الإسلامية، حتى ‏إننا لا نبالغ إن قلنا إن الفرق بين ثقافة جمهور الظاهرة ‏وثقافة رجل الشارع ليس كبيراً، وبالتالى يصبح سهلاً ‏خداع الظاهرة وتقديم الإسلام لها على أى صورة، ‏فملامح النموذج الإسلامى غير واضحة وكذلك محاور ‏المشروع. ‏


ثالثاً: ذوبان الذات وانسحاق الشخصية، ونعنى بذلك ‏الممارسات غير المنضبطة وغير الواضحة شرعاً من ‏العلاقات والمعاملات من أفراد محسوبين على الظاهرة ‏تياراً وجمهوراً. ‏


رابعاً: التأثر الشديد بالخطاب الإعلامى المعادى للجماعة ‏فى أغلب الأحيان ‏


خامساً: الموقف غير الواضح من الأقباط. ‏


سادساً: ضعف دور المرأة وحجم مشاركتها رغم ارتفاع ‏نسبة هذه المشاركة من الناحية العددية. ‏


الظاهرة الإسلامية، والتى تمثل الجماعة أحد روافدها لم ‏تستطع، رغم التزامها وتناميها، تخطى العقبات ‏والتخلص من الأمراض التى يعانى منها مجتمعها ‏وتمنعه من التقدم، وبالتالى أصبحت الظاهرة تختلف عن ‏مجتمعها، ولكن ضمن الإطار المتخلف نفسه والتابع ‏شديد القصور والقدرة على التطور.‏


إن الظاهرة تنمو تدريجياً ولكن المجتمع حتى الآن قادر ‏على قضمها قطعة قطعة وهضمها وتذويبها داخل نسيجه ‏بل وتوظيفها لمصالحه المادية، المجتمع يحركها أكثر ‏مما تحركه ويؤثر فيها أكثر ما تؤثر فيه، لقد ابتعدت ‏الظاهرة عن فساد مجتمعاتها، الثقافى والفكرى ‏والاجتماعى والسياسى، خطوات لكنها ليست كافية ‏للتغيير. ‏


إن الظاهرة الإسلامية تنمو برضاء المجتمع إلى حد كبير ‏وداخل أطره ومؤسساته وتعيش بداخله، وتستخدم ‏أساليبه نفسها، وتعانى من أمراضه نفسها.‏


وتكمن المشكلة عندما نرصد أن الظاهرة لا تسعى لتغيير ‏هذه الوضعية للأفضل.‏


ونعتقد أن الخطوة الأولى لعلاج هذا القصور هو استعادة ‏الثقة على المستويات الثلاثة: الجماعة، والتيار ‏الإسلامى، وجمهور الظاهرة، لابد من ثقة بجدوى ‏المحاولة والقدرة على التغيير فى واقع محبط وضخم، ‏وقناعتنا أن هذه الثقة تدخل طرفاً فى علاقة جدلية مع ‏وضوح الذاتية الإسلامية، فلابد من بناء سريع لهذه ‏الذاتية.‏


إن أخطر المهمات التاريخية المطلوبة من أهل الرأى ‏والثقة والفقه فى الأمة فى مرحلة ما، هى صياغة ‏واضحة للعلاقة بين الإسلام والمرحلة: ماذا نأخذ وماذا ‏نترك؟ وكيف نتفاعل؟ ماذا نقبل؟ ماذا نستنكر؟ كيف ‏نفكر؟ ماذا نقرأ؟ وكيف ندير علاقتنا مع الآخرين... ‏


والإجابات بعد ذلك ليست صعبة، نحن فى حاجة إلى ‏برامج واضحة وخطط لتغيير العقلية الإسلامية ‏ومعالمها، ونحن فى حاجة إلى قنوات واضحة ‏ومستوعبة ومتنوعة للمشاركة والتوظيف، ونحن فى ‏حاجة لنماذج مبهرة لافتة للانتباه فى كل موقع وصلنا ‏إليه، ونحن بحاجة إلى استكشاف سريع وعميق لأبعاد ‏الظاهرة ومكوناتها واتجاهات جمهورها، ونحن بحاجة ‏إلى إعادة النظر فى الخطاب الإعلامى الإسلامى ‏الخاص بالجماعة ومراعاة اتجاهات الجمهور وروح ‏العصر فى ذلك، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر مرحلياً ‏على الأقل فى صيغة الجماعة الشاملة لكل المهام من ‏تربية للإرادة وممارسة العمل السياسى، وخوض لميادين ‏الجهاد الاجتماعى والتحول مرحلياً على الأقل بالرضا ‏بمجالات معينة ومحددة وسد العجز فيها.‏


وكما يقول شيخنا الغزالى: «لقد آن للصحوة الإسلامية ‏أن تتحول من خطوات متسارعة مشدوهة مضطرة إلى ‏مسيرة راشدة لمصلحة الأمة». ‏


وترصد الورقة أن المصارحة بأزمة الجماعة هى بداية ‏الحل، حيث يأتى فيها: ‏


الفشل فى الوصول إلى الأهداف التى تصدى لها ‏الإسلاميون من أهداف مرحلية أو استراتيجية خاصة أن ‏سمات الفترة الماضية تميزت بنوع من التحدى السلمى ‏للإسلاميين عن طريق إتاحة هامش حرية نسبية لهم، لم ‏يعايشوه من قبل، ويبدوا أنهم لم يكونوا مستعدين ‏لممارسته بل والتكيف مع هذا الجو الجديد، وهو جهد ‏أظهر أنهم غير قادرين على الحركة المتفاعلة السريعة ‏وهم الذين اعتادوا الأناة والسلحفائية وإهمال عنصر ‏الزمن بشكل أو آخر من خلال حياتهم فى المعتقلات ‏والسجون.‏


لاشك أن هذه اللحظة هى من لحظات الحسم والقطع، ‏ولم يعد من الممكن الاستمرار فى الاتجاه نفسه دون ‏بصيرة ودون وعى، خاصة أن مبررات السير وبهذا ‏الشكل فى الماضى من ملاحقة واضطهاد لم تعد موجودة ‏الآن بالشكل نفسه، لذا فإن الاستمرار بالشكل نفسه هو ‏مقامرة بمعنى الكلمة. ‏


هناك أزمة مصيرية بلا شك تواجه الجماعة وهى من ‏الأهمية بمكان لأنها تتناول جهوداً ضخمة مخلصة وتهدد ‏قدراً كبيراً من المكاسب، بذلوا الكثير من جهودهم ‏ووقتهم للحصول عليها.‏


لابد أن نعترف بداية بوجود أزمة، وإحياء جو من ‏النقاش والحوار والمراجعة والمصارحة بيننا وبين من ‏يهمه الأمر ويجب التركيز على هذه القيمة «قيمة الحوار ‏والمراجعة والمصارحة» لأنها الباب الذى يحمل الأمل ‏إلينا دائماً أن يلج إلينا منه الحل.‏


وهذه القيمة «الحوار والمراجعة والمصارحة» هى أغلى ‏ما يجب أن نحافظ عليه أو نوجده بأى وسيلة كانت وبكل ‏صوره المتاحة لأن هذه القيمة هى مفتاح حل هذه ‏الأزمة، والأزمات المستقبلية، والفشل فى إحياء هذه ‏القيمة هو الفشل التام الذى تصبح بجانبه كل عمليات ‏الإنعاش مضيعة للوقت والجهد ونوعاً من ضروب ‏المحال، ونعتقد أنه أمامنا فى هذا المجال أحد المستويات ‏لمواجهة هذه الأزمة، المستوى الأول: استنفار العقول ‏الهائمة الغائبة عن رشدها من رقدتها لتعى حجم الأزمة ‏ولتحمل مسؤوليتها فى حلها. والمستوى الثانى: أن ‏نتصدى نحن أنفسنا ومن يحمل معنا هذا الهم لهذه الأزمة ‏ونحاول دراسة أبعادها ومضامينها وإشكاليتها ووضع ‏حلول مقترحة لها قدر الاستطاعة.‏


وستواجهنا إشكالية هى كيف نخرج من دائرة الفهم ‏ودراسة أبعاد الأزمة ووضع الحلول المقترحة إلى دائرة ‏التطبيق ومن يقوم بهذه النقلة وكيف ومتى؟، لذا نرى أن ‏الحل المتصور لهذا العمل يكون على المستويين معاً مع ‏الوضع فى الحسبان أن المستوى الأول للجماعة هو ‏الأساس ولكن نظراً لأننا لا نعرف متى؟ وكيف؟ وكم ‏يستغرق من الوقت لنصل إليه فلابد من ممارسة القدر ‏المتاح والجهد الممكن على المستوى الثانى.‏


إذا أردنا وضع إطار أولى لحجم المشكلة ووضعناها فى ‏المكان الصحيح فلابد من تحديد عدة مفاهيم كحدود أولية ‏لهذا الإطار: ‏


‏(1) إن مفهوم التناسخ ونسخ الجديد للقديم والإحلال ‏محله تماماً هو مفهوم يجب التخلص منه إذ أن القاعدة أن ‏تحتفظ بالمكاسب وأن تتخلص من السلبيات. ‏


‏(2) يجب انطلاقاً من هذا المفهوم مراجعة تجارب ‏الماضى لتحديد المكاسب والسلبيات. ‏


‏(3) لا يمكن أن نصل لحلول شاملة بعيون نصف ‏مغمضة أو عقول مقولبة بل ينبغى أن نخرج من جميع ‏الحساسيات إلى أفق أرحب، ومن محدودية الرؤية إلى ‏شموليتها وكمالها. ‏


‏(4) المرحلة الحالية لا تحتمل التلفيق بل تحتاج لحلول ‏صريحة ومباشرة وواضحة ولنعلم أن التلفيق لا يحل ‏المشكلة وإنما ينقلها إلى المستقبل.‏


‏(5) الأصل هو الاستفادة الشاملة من جهود كل ‏المخلصين والتخلص من الاستئثار بالتصدى للمشكلة، ‏وينبغى إدراك أن الحل الناجح ليس هو الطرح فقط بل ‏الممارسة التى تستطيع توظيف وحشد كل الإمكانيات ‏لحل المشكلة.‏


‏(6) يجب التخلص من النظرة الكهنوتية للمشاكل ‏والحلول فلا مجال لها الآن ويجب أن نحسم خياراتنا ‏‏(العلمية والغيبية) فى التعامل مع الأزمات على أساس ‏أسباب المشاكل وحلولها، وينبغى أن تكون من منظور ‏علمى بحت وليس من منظور غيبى مثل: سنن الدعوات، ‏إرادة الله بنا، محن وابتلاء، الشجرة التى تنفى خبثها، ‏وليس هذا من منطلق رفض أو إنكار لهذه الغيبيات وإنما ‏من باب أنه لا مكان لها فى التعامل مع الواقع ومعالجته. ‏


‏(7) لابد من عودة للتفتيش فى الدفاتر القديمة لاستكشاف ‏جذور المشكلة والوقوف عليها واقتلاعها، وإذا كنا ننادى ‏بالعودة إلى التاريخ الإسلامى للاعتبار ودراسة مكاسبه ‏وسلبياته فمن باب أولى أن نعود إلى تاريخ المدرسة ‏الحديثة الذى للأسف لم نستطع فك رموزه أو حسم الجدل ‏فى بعض غوامضه. ‏


‏(8) ينبغى أن ندرس من جديد تصورنا لطبيعة الصراع ‏والمشاكل والتخلص من التفسير التآمرى الذى يريحنا ‏ويحل ويفسر لنا كثيراً من مشاكلنا حالياً. ‏


‏(9) لابد من حسم خيار الطرح الإسلامى على أساس أن ‏الطرح الحضارى للمشروع الإسلامى هو المقبول الآن. ‏


‏(10) ترسيخ النظرة الإنسانية الشاملة للكون وللعالم ‏وممارسة التفكير ووضعها فى مكان بارز فى طرحنا ‏الحضارى على أساس أن الناس إما إخوة لنا فى الدين أو ‏نظراء لنا فى الخلق.‏


وترصد الورقة صراع الجماعة بين الطرح الحضارى ‏والطرح السياسى فتقول: إن الطرح السياسى يبدو له ‏الغلبة الآن فى واقعنا لعدة اعتبارات لعل أبرزها الدور ‏الذى أصبحت تضلع به السلطة السياسية فى المجتمع ‏المعاصر بحيث أصبح لها الغلبة على المجتمع المدنى ‏بحكم نزعتها الاستبدادية، بالإضافة إلى الصدام المستمر ‏بين الحركة الإسلامية والسلطة الحاكمة فى كثير من ‏البلدان المسلمة حتى تحول هذا الصدام المستمر فى ‏أحيان كثيرة إلى تراث تاريخى يعمق نظرة عدم الثقة ‏المتبادلة بين الطرفين، وينطلق هذا الطرح من مقولة ‏‏«إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، ليجعل ‏هدف الوصول للسلطة للتغيير باعتبار السلطة فاسدة، ‏هذا الطرح صراعى الطبيعة هو أحد الأسباب الرئيسية ‏للصدام المستمر بين الأنظمة والحركات الإسلامية، وهو ‏يؤجل حل المشاكل التى يعانى منها المجتمع حتى إقامة ‏نظام إسلامى أو الوصول للسلطة ناسياً أو متناسياً أن ‏أول متطلبات النجاح لأى حركة سياسية أو تيار إسلامى ‏هو قدرته على تقديم الحلول لواقعه الذى يحياه، وهذا ‏الطرح انعزالى عن الواقع الذى يحيطه وأدت هذه ‏الانعزالية أحياناً إلى شطط وانحراف فى التفكير. ‏


أما الطرح الحضارى الذى نعلن تبنينا له من البداية فهو ‏ينطلق من الإسلام باعتباره دين تحرر من عبادة ‏الطاغوت، وهو كل ما يعبد من دون الله، فى ضوء هذا ‏الفهم لابد أن نحدد أبعاد المعركة الحقيقية للعمل ‏الإسلامى وهى فى اعتقادنا معركة ذات طبيعة حضارية ‏معركة بين نموذجين للحضارة: غربى سائد يجعل ‏الإنسان متمردا على الله محور حضارته، ونموذج ‏صاعد للإنسان المستخلف فى الأرض فى محور ‏ارتكازه.‏


معركتنا فى أحد أبعادها مع النفس، مع القابلين بالتخلف، ‏بعبارة أخرى تحقيق الشروط الذاتية للنهضة بما يعنيه ‏ذلك من تصفية نفسية تاريخية فى المجتمع،


الشرط الثانى مرتبط بالإنسان ومن ثم فلابد من إعادة ‏صياغة من خلال نظرية شاملة للتربية هدفها إيجاد ‏الإنسان المتأهب للبناء الحضارى المدرك لمهمته ‏الحضارية والمستبصر بثغره الحضارى والحائز على ‏تربية مناسبة وملائمة لمثل هذا البناء الحضارى.‏


إنسان مدرك لأسس حضارته مستبصر بأسس الحضارة ‏الغربية قادر على نقل منجزاته بوعى وبصيرة، إنسان ‏واع بتوازنات القوى الدولية وأثرها على معركته، إنسان ‏متابع لمعركة الحضارة الغربية فى دول العالم الثالث، ‏قادر على مخاطبة شعوبها فيكسبها فى صفه.‏


كذلك قضية فلسطين قضية مركزية للعمل الإسلامى ‏باعتبار أن تصفية هذا الجيب الاستعمارى هى أولى ‏خطوات انطلاق العالم الإسلامى.‏


هذا الطرح ينظر إلى السلطة بأنها ضرورة حضارية ‏وأصحاب هذا الطرح يعتبرون أن بداية ما أصاب ‏المسلمين ليس ظلم الأنظمة بقدر ما هو تحول الخلافة ‏إلى ملك عضوض واختفاء الشورى، فكانت الهاوية ‏لانحراف المسلمين المبكر ومن ثم فإن بداية الإصلاح لا ‏تبدأ من السلطة فقط بل تمر أولاً بالفرد فالمجتمع ‏فالسلطة، هذا الطرح يفتح أمام العمل الإسلامى أفاقاً ‏جديداً فهو يرتبط بالجماهير أولاً وأخيراً فهى صاحبة ‏المصلحة فى تحقيقه أو هكذا ينبغى أن نصل بها وفى ‏نفس الوقت هى القائمة بمعظم وظائفه.‏


وما دور الحركة الإسلامية إلا أن تحرك الجماهير ‏وتقودها، وما الجماعة إلا منشط فعال نحو الحضارة ‏فهى ليست منشئتها وحدها إنما دافعة إليها وفى هذا ‏الإطار يجب أن يكون طرح الحركة الإسلامية معبراً ‏عن آمال الجماهير وطموحاتها آخذة فى الاعتبار ‏همومها ومشاكلها وهو طرح تجميعى يجمع القوى ‏فيجعلها صفاً واحداً لمواجهة التحدى الحضارى القائم، ‏يجمع أولاً غير المسلمين ممن يعيشون معنا حيث يكون ‏الإسلام لهم حضارة وليس معتقداً يساهمون فى تشييدها ‏وينعمون بإنجازاتها، ويجمع المذاهب والحركات ‏الإسلامية المختلفة فيتحدون فى القبلة ويختلفون فى ‏الفروع، ويجمع القوى والتيارات السياسية والعلمانية ‏التى تدرك حجم التحدى الغربى وخطورته وتهدف إلى ‏النهضة وإن اختلفت منطقاتها، ويجمع الشعوب ‏المستضعفة ويعيد ترتيب الأولويات للعمل الإسلامى ‏فيجعل من تحرر الإنسان أهم أولوياته وأولها معتقد أن ‏العبودية لله أعلى مراحل التحرر للإنسان من سطوة ‏الآخرين. ‏


انتهى استعراض بعض الورقات الإصلاحية التى قدمت ‏من حوالى ربع قرن لتطوير جماعة الإخوان المسلمين، ‏والحقيقة أننى أرى أن استهلاك الوقت فى الدفع وصياغة ‏المبررات أصبح أمراً غير منطقى وغير مقبول فربما ‏انطلت التبريرات على البعض نتيجة مناخ عام سائد هذا ‏سمته، لكن مظاهر التراجع والجمود لن تقنع البعض ولن ‏يصمد أمامها كثيراً. ‏


وهذا يرشح الأمر ربما للتغيير لكن الأمر الآن يتوقف ‏على موقف الإصلاحيين الجدد ومدى تعلمهم من تجارب ‏الماضى، فهل يستسلمون وينسحبون مثلما انسحب ‏أقرانهم فى الماضى أم يضغطون من أجل التغيير ‏والتطوير، فى رأيى أن الأيام القادمة ستشهد تغييرات ‏وتأثيرات كبيرة ربما تكون غير مسبوقة لهم داخل ‏الجماعة طالما أن القيادة لا تشعر بأن السياسة الخالدة: ‏‏«يا ما دقت على الرأس طبول» أصبحت بلا معنى أو ‏جدوى خصوصاً مع تحرك قارعى الطبول.‏

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية