قمت بعدة زيارات للبرلمان البريطانى بغرض التصوير مع أعضاء مجلسى العموم واللوردات، أو فقط للتجول فى أروقة هذا المكان الذى احتفظ بعبق التاريخ وحافظوا على تقاليده العريقة، وأبقوا على صورته الأولى الممتدة عبر القرون.. فى كل ركن وعلى كل مقعد تشعر أن التاريخ يناديك فى قصر وستمنستر، الذى يعتبر واحداً من أكبر مبانى البرلمانات فى العالم، ويحتوى على ما يقرب من 1200 غرفة، إضافة إلى 100 سلم، وأكثر من ثلاثة كيلومترات (2 ميل) من الممرات ويعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.
معارك برلمانية وسياسية كثيرة دارت فى هذا المكان، لكنها احتفظت فى معظمها بالتقاليد البرلمانية العتيدة.. كنت أقارن فى ذهنى بين هذا المكان والبرلمان المصرى العريق أيضاً، الذى امتهن كثيراً من قبل وزراء وأعضاء مجلس شعب، ولكن كان ذلك فى حدود ضيقة إلى حد ما، رغم انفلات كصفع وزير لنائب فى العصر الحديث، وحالات هياج على وزير آخر فى العصر القريب جداً.. ولكننى كنت دوماً أقول لنفسى الحمد لله أننا لم نصل إلى حال بعض برلمانات آسيا وأمريكا اللاتينية التى تحولت لحلبات صراع باللكمات والأرجل.
ولكن ما حدث مؤخراً فى البرلمان هدم لى هذه الصورة، وهدم لى تأكيدات خرجت أقولها مراراً بعد الانتخابات؛ أننى متفائل بهذا البرلمان، لأن به نواباً محترمين، ونواباً شباباً من عصر جديد ونائبات فاضلات.. ظلمهم الإعلام حين ضخم من ممارساتهم فى اليوم الأول، وهو كان فى رأيى يوم فرح لمئات النواب المنضمين للبرلمان لأول مرة.. أكدت أكثر من مرة هنا وعلى الشاشة أننى مازلت متفائلاً بالبرلمان.. ثم وجدت هذا البرلمان عاجزاً حتى عن إقرار لائحته ولجانه وزادت التربيطات عن أن تكون مجرد ائتلافات وتحالفات، وتغلب الخاص على العام وتاهت المصلحة العامة.
ثم كانت الطامة الكبرى حين قرر النائب توفيق عكاشة أن يتصرف بشكل منفرد ويلتقى السفير الإسرائيلى دون الرجوع إلى المظلة التى أصبح ينتمى إليها، فردَّ عليه النائب كمال أحمد بالضرب بالحذاء على مرمى ومسمع من وسائل الإعلام، وكل ذلك بعد مشاحنات وطرد للأعضاء وضرب لصحفى يغطى أخبار البرلمان فضاعت القيم وضاع المثل الأعلى وضاعت تأكيداتى بالتفاؤل من هذا البرلمان بأكمله بمحترميه وشبابه ومثقفيه وسياسييه وسيداته.
والسؤال هو: هل يمكن أن نأخذ الكل بجريرة البعض؟ والرد هو: نعم لأن هذا هو ما يحدث فى مصر.. الإعلام فاسد فى رأى الجميع بسبب ممارسات البعض، والأطباء يعاقبون الدولة بأكملها بسبب تسعة أمناء شرطة، ويشكون لى فى برنامج أننا نتعامل مع الأطباء كفئة محظية وثرية رغم أن عدد الأطباء الأثرياء فى مصر لا يزيد على 1% من مجموع الأطباء البالغ 250 ألفاً.. ولو صحت النسبة فهذا يعنى أننا نتحدث عن 2500 طبيب، وفى رأى النقابة أنهم ليسوا القاعدة ولكن تسعة أمناء شرطة هم القاعدة لنصف مليون ضابط وأمين وجندى فى الشرطة، و7 ملايين عامل بالدولة و90 مليون مواطن.
الكل فى البرلمان أصبح فى كفة النائب المتعامل منفرداً مع إسرائيل، والنائب الشتام اللعان، والنائب الضارب بالحذاء، لأن هيبة البرلمان بأكمله ضاعت.. ليس يوم أن التقطوا السيلفى.. فقد أعطيناهم العذر.. ولكن يوم قرروا أن يتعاملوا مع قاعة أسفل القبة وكأنها موقف ميكروباص فى منطقة عشوائية.. فكيف يمكن لهؤلاء أن يحاسبوا حكومة أو إعلاماً أو أطباء أو شرطة وهم يفعلون ما يفعلون.
لا يسعنى إلا أن أقول إننى أخطأت حين تفاءلت بالبرلمان ودعوت الناس لتتفاءل به.. أنا آسف.. ولا يسعنى إلا أن أنظر إلى هذا المكان العريق بعد أن أصابه ما أصابه وأقول له «إحنا آسفين يا برلمان».