x

أيمن الجندي أحد تفسيرات الكون أيمن الجندي الأحد 28-02-2016 21:38


انضمت جميع قنوات العالم الفضائية لإذاعة هذا الحدث العلمى الخارق: استخدام تكنولوجيا متقدمة، فى تكبير خلية واحدة من الجسد الإنسانى إلى حجم مدينة كاملة!

بدا الأمر وكأنما هو عرض مسرحى مبهر، يحرص مخرجه على توفير كل عناصر الإثارة، حتى يضمن مشاهدة الكوكب الأرضى كله، من جبال الجليد فى الأسكيمو إلى بطاريق القطب الجنوبى! ومن غابات كمبوديا العذراء إلى أضواء نيويورك المتلألئة.

■ ■ ■

وأخيرًا حان اليوم الموعود. نصبت شاشات عملاقة وسماعات ضخمة فى الميادين وملاعب الكرة. فى البدء كانت مكونات الخلية البشرية لغزا مبهما، حتى تم اختراع المجهر الضوئى. لكن المشكلة أن قوة التكبير إذا تجاوزت ألفى ضعف تصبح الصورة ضبابية وغير واضحة. لذلك اخترعوا المجهر الإلكترونى، الذى وصلت قوة تكبيره لمئتى ألف ضعف. لكن المشكلة الرئيسية هى عدم إمكانية مشاهدة العينات وهى حية.

مع هذا الاختراق العلمى الجديد صار ممكنا، ليس فقط مشاهدة الخلايا الحية، وإنما تكبيرها إلى مليارات المليارات من الأضعاف. باختصار تصبح الخلية الدقيقة التى لا ترى بالعين فى حجم مدينة كاملة. وليس هذا حسب، بل أمكن أيضا تكبير الصوت من داخل، وليس من خارج الخلية!

وحانت اللحظة الموعودة، وحبس الجميع أنفاسهم. فى وقت واحد ساد الصمت جميع أنحاء الكوكب الأرضى. بدأ الأمر بصورة الخلية، التى راحت تتسع بالتدريج، ثم تتسع وتتسع. والكاميرا تلهث وراء هذا الاتساع محاولة أن تحيط بالأبعاد المجسمة.

وغامت الرؤية لبرهة من الوقت حتى ظن كثيرون أن خطئًا ما قد أفسد التجربة. ثم انكشفت الغيمة عن مشهد، ظن معه الجميع أن الإرسال قد انقطع، وتم بث مشاهد طبيعية معتادة. تقريبا لم يشذ أحد عن هذا الظن، خصوصا عندما شاهدوا سماء وأرضا مبسوطة وكتلًا تبدو كالجبال البعيدة. ثم خرجت الآهات والشهقات عندما فهموا أن البث لم ينقطع، وأن ما يشاهدونه الآن هو ما تم تكبيره بالفعل داخل الخلية البشرية.

اقتربت الكاميرا بسرعة لاهثة. ثمة لون أخضر يلوح فى الأراضى. وذلك اللون الأزرق بحار متلاطمة. وما ظنوه جبالا كان بالفعل جبالا شمّاء عالية. كانت الكاميرا كمن أصابتها لوثه فراحت تدور فى كل اتجاه. أحق ما تراه عيونهم؟ هل هذه هى بيوت وناطحات سحاب فعلا؟ وتلك طرق تقطعها سيارات مسرعة؟ نصف من كانوا يشاهدون البث قد أغشى عليهم. والنصف الآخر كانت قلوبهم تدق بسرعة مروعة.

رباه! ما هذا؟ مخلوقات تسير على سطح الخلية وتتحدث؟ مخلوقات لها رأس ووجه وعينان وقدمان وقلب واحد؟ اقتربت الكاميرا إلى حد التلاصق، وتم تشغيل السماعات لينساب الصوت ناعما موسيقيا. وكان واضحا أن هذه المخلوقات الدقيقة جدا، تمثل ثنائية الحياة. سالب وموجب! ذكر أو أنثى! أو سمّها ما شئت، يتغازلان حسب القوانين الدقيقة المبثوثة.

انقطع البث فجأة. وساد الصمت والقشعريرة فى هذا الكائن الجمعى الذى يُدعى الإنسان، الذى أتيح له لتوه أن يلقى نظرة على سر أسرار الكون. ليفهم أن الكون ليس كما يعتقد كونا واحدا، وإنما هو عدد لا متناه من الأكوان كلها متداخلة. وأنه يحيا داخل مخلوق آخر، أكبر منه ببلايين المرات، هو الكون بالنسبة له، كما أنه أيضا بمثابة الكون لكائن آخر أصغر منه ببلايين المرات.

فى الحقيقة كان هناك الكثير مما يُنتظر أن يستنبطوه. لكن الصمت الآن صلاة، يرفع الإنسان إلى الخالق الذى أبدع هذا الجمال كله.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية