دأب بعض الشباب العابث على ترويج أخبار مغلوطة عن السيد بان كى مون، سكرتير عام الأمم المتحدة، ويقول آخر ما ظهر على مواقع التواصل الاجتماعى إن كى مون تم نقله للمستشفى فى ساعة متأخرة من، مساء الجمعة الماضى، بعد أن هاجمته القُرحة من جديد نتيجة القلق المتواصل الذى أصبح ملازماً للرجل فى صحوه ومنامه. قالوا أيضاً إن الرجل تقدم باستقالته وتنحى عن المنصب لرغبته فى قضاء أيامه الباقية فى هدوء. لو صح هذا الكلام فإنه ينفى شائعات ثارت بشأن الرجل قضت بأنه يعيش حياة طبيعية وأنه ليس قلقاً على الإطلاق وإنما القلق بمثابة عدة الشغل أو اليونيفورم الملازم لبعض المهن.
على أى الأحوال، قديماً قالوا عن عبدالحليم حافظ إنه يتصنّع المرض من أجل استدرار محبة الجمهور وعطفه، وقالوا عن سفرياته للخارج من أجل العلاج إنها كانت من أجل التنزه وتغيير الجو والشوبنج، وما المرض إلا تمثيلية رخيصة زعموا أنها ستفقد سحرها بمرور الوقت.. هذا وقد كذّب موت عبدالحليم، وهو لم يكمل الثامنة والأربعين من عمره، كل تخرصات الخصوم وأثبت لهم أن الفنان الكبير كان يعانى ويكابد ويلات المرض بينما يسخرون منه ومن آلامه. فهل يَثبُت لنا يا ترى بعد أن يسقط الأخ كى مون صريع سكتة دماغية أو انفجار فى المخ أن الرجل كان يحبنا بحق ويشقى من أجلنا ويسهر الليالى يبكى على ما نقاسيه من ظلم وعدوان؟ الحقيقة أن الأمين العام للأمم المتحدة لو كان يقلق فعلاً فإن الجانب الأكبر من مسببات قلقه يعود إلى منطقتنا المضطربة، إذ ليست هناك منطقة كوارث فى الكرة الأرضية شبيهة بالمنطقة العربية من اليمن لليبيا لسوريا للعراق للبنان لفلسطين.. كل هذه بؤر توتر ومناطق صراع يلتهم الأخ فيها أخاه ويحارب الرجل جاره ويتقاتل فيها ذوو القربى.. ولو أننى من بان كى مون ما أنفقت ذرة أدرينالين واحدة على هؤلاء القوم الأشرار الذين يقتل بعضهم بعضاً ثم يفرون فى القوارب ليزعجوا الناس الآمنين وينشروا خلافاتهم فى القارة الأوروبية، لكن يبدو أن كى مون لا يمتلك قلباً صخرياً كقلبى، إنما لديه قلب خسّاية رقيقة يجعله يفرغ الدمع الهتون كل صباح على شعب اليمن الذى إذا لم تقتله الصواريخ والقنابل قتله الجوع والعطش وافتقاد الدواء، كما يبكى فى المساء على شعب سوريا الذى يقتله الأمريكان والروس والبريطانيون والفرنسيون والسعوديون والأتراك والإماراتيون وقبلهم طبعاً الإيرانيون وربيبهم بشار الأسد.. كل هذا يعايشه كى مون ويأخذه على أعصابه، لدرجة أن المناديل التى يبللها بدموعه يدفع ثمنها من جيبه ولا تشاركه المنظمة الدولية نفقاتها!.. ورغم هذا لا يسلم الرجل من العابثين الذين يزعمون أنه يتقاضى أجراً إضافياً إذا ما استبدّ به القلق يومى السبت والأحد وفى الهالوين والكريسماس.. غير الأعياد الكورية التى يحتفل بها فى السر مثل عيد التنين المجنح وعيد الثعبان النارى.
لو صحت الاستقالة فإنها توضح مدى تضحية الرجل، خاصة إذا علمنا أن بان كى مون هو وحيد والده المتوفى وقد منحوه الوظيفة لينفق منها على والدته السيدة عطيات كى مون!