أحسن الرئيس السيسى عندما طالب الحكومة بسن تشريع يمنع انتهاكات حقوق الإنسان يُعرض على البرلمان قريبًا، فالانتهاكات أصبحت يومية، وتُحرج الرئيس السيسى وتُعرِّض شعبيته للتآكل فى الشارع. ومن ثَمَّ كان قراره السابق صائبا إلى حد كبير، بعد أن اتُّهمت السلطة بالسكوت على انتهاكات رجال الأمن. والمعروف أن الرئيس قام بزيارة لأكاديمية الشرطة منذ عدة أسابيع، ويومها ذكر كاتب هذه السطور أن الرئيس يسعى لغسل يد «الداخلية» من جرائم أبنائها، عقب مقتل أربعة أشخاص على يد الأمن داخل أقسام الشرطة، التى تحولت إلى سلخانات كما كان يحدث فى عهد مبارك، فى سياسة ممنهجة، ويستحيل أن تكون أعمالا فردية من قِبَل الوزارة.
بذلك يكون الرئيس السيسى قد رفع أى غطاء متصوَّر أو متوهَّم عن الأمن، وأعاد بذلك صورته المشرقة التى كاد ينال منها نفر من الساديين والطغاة والطغم، الذين يأبون أن يُحكم هذا البلد حكمًا ديمقراطيًا.
كان الإخوان المسلمون دومًا إحدى إشكاليات حقوق الإنسان فى مصر، فوجود هؤلاء على الساحة السياسية وتهديد النظام السياسى المدنى ظل دومًا الحجة الرئيسة التى تجعل من النظم الحاكمة لا تعبأ أن تُنتهك حقوق الإنسان بشكل دائم.
ورغم أن الأوضاع بعد أحداث يناير 2011 تغيرت لناحية المقرطة وتحقيق التوازن فى العلاقة بين المواطن والأمن، فإن تلك العلاقة عادت تتسم بالضبابية بسبب عودة الأمن إلى ما اعتاد عليه من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان فى الحياة والرأى والتعبير والانتقال.
وجود الإخوان وأعمالهم الإرهابية كانت كما قلنا الحجة الأبرز فى عودة تغوُّل القبضة الأمنية. بعبارة أخرى، تلكؤ الأمن بأمن الدولة والخوف من سلوك جماعات العنف والإرهاب جعل رد فعل الأمن ويده باطشة على الكافة لا يفرق بين صالح وطالح، وكأننا عدنا مرة أخرى إلى المربع الأول، أو لعبة القط والفأر بين الإخوان والنظام، والضحية هى المواطن البسيط.
فى أوروبا والولايات المتحدة التهديدات الأمنية على أشدها من داعش ذات الإصول الإخوانية وغيرها، لكن قلما تجد سطوة أمنية بارزة ومنتهِكة لحقوق الإنسان. ربما نشاهد حالات تربص خاصة تجاه المسلمين، وإعلان حالات طوارئ، لكن قلما نجد مَن يُعذَّب أو يُقتل فى قسم شرطة، أو يُهان فى طريق، ويُحتجز، أو يُتنصَّت على مراسلاته، أو تُعد أنفاسه، أو يُزوَّر صوته فى الانتخابات.
المؤكد أننا أمام دعوة ليس فقط للجهاز القضائى لإعمال سلطته لمواجهة تلك الانتهاكات بدعوى الخوف من الإخوان، وليس فقط أمام الإعلام ليكون قادرا على فضح الانتهاكات، ومجتمع مدنى ينتفض للذود عن الكرامة الإنسانية، ولكن الأهم حاليًا أننا أمام دعوة للبرلمان لينفض إعادة الهيكلة التى أفشلها جهاز الشرطة عقب يناير 2011، وكذلك إعادة نظام المحاكم العسكرية لأمناء الشرطة، مهما كانت ردود أفعالهم تجاه هذا الأمر.