المتأمل لما حدث فى جلسة الأسبوع الماضى، عندما رفض البرلمان القرار بقانون رقم 18 لسنة2015 الخاص بالخدمة المدنية، يجد أننا أمام مفترق طرق حقيقى فى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وذلك من أكثر من زاوية:
فبداية رفض البرلمان بأغلبية أعضائه القرار بقانون وهى سابقة أعتقد أنها لم تحدث فى تاريخ الحياة البرلمانية منذ يوليو1952، بعد تأسيس مجلس الأمة عام 1956. ومن ثم فهى تحول خطير فى مسار العلاقة بين الطرفين. مبكر جدًا الحديث عن انفصام فى العلاقة بين الطرفين، ما حدث مجرد مناكفة أو هزار ثقيل من قبل البرلمان تجاه السلطة التنفيذية. هى إشارة بأن السلطة التنفيذية فى مواجهة من نوع جديد مع برلمان لم تعتده تلك السلطة.
من ناحية ثانية، فإن ما حدث فى جلسة البرلمان لهو رد قوى وكبير على محاولة تغول السلطة التنفيذية على البرلمان، فمنذ شهر تقريبًا أقال وزير شؤون مجلس النواب أمين عام البرلمان، دون أن يعى بالا للبرلمان الملتئم بعد عدة أيام، ولم يتراجع رغم احتجاجات النواب المنتخبين وقتئذ. يومها ظن الكثيرون أن الحكومة قد ذبحت القطة للبرلمان مبكرًا، فإذ بالبرلمان يرد بذبح مجموعة قطط أمام الحكومة.
من ناحية ثالثة، فإن رفض الخدمة المدنية هو إشارة للحكومة بأن البرلمان الذى فضلت هى أن يأتى بالنظام الفردى سعيًا منها لإجهاض الأحزاب، ارتد نصله فى صدرها، فها هم النواب يحيلون رفضهم للقانون لرفض ناخبيهم له، وهو أمر يجب أن تدركه الحكومة التى مردت على دعم تشريعات غير شعبية. بعبارة أخرى، يجب أن تعى الحكومة مستقبلا الدرس السابق عند التقدم بمشروعات قوانين لا تجد مردودًا اجتماعيًا.
من ناحية رابعة، فإن رفض الخدمة المدنية لهو أبلغ دليل على رفض البرلمان لدعم مصر، فللمرة الثانية يحدث انشقاق لهذا التنظيم الوليد، بعد المرة الأولى الخاصة بانتخاب الوكيلين، مما يشى بعجز دعم مصر وعجز من أوعز بفكرته من خارج البرلمان، وهو ما تنبأنا به منذ أسابيع.
من ناحية خامسة، فإن الحكومة على الرغم من أنها أحسنت صنعًا بطرح العمل بحالة الطوارئ فى مناطق بسيناء، وتمديد عمل القوات باليمن، إلا أن المجلس كان يتحتم عليه مناقشة الموضوعين وليس فقط تمريرهما وفق المادتين 154 و152 من الدستور. وفى موضوع الفساد كان عليه أن يناقش تقرير المستشار هشام جنينة بدلا من أن يتركه للنيابة وحدها، لا سيما أن تشكيل رئيس الجمهورية للجنة لبحث الأمر لا سند له فى الدستور، وجاء بإيعاذ من أحد الوزراء المعروفين بحياكتهم المكائد للرجل.
أخيرًا، فإنه بعد رفض الخدمة المدنية، يتوقع أداء مغاير للحكومة، لا سيما عند طرح الحكومة لبرنامجها، وقبله رد فعلها تجاه مشروع قانون اللائحة الداخلية.