x

مجدي الجلاد «دربكة وفيتو»..! مجدي الجلاد الأحد 21-02-2016 21:32


انفجر الغضب وتفجر الجدل مع انفجار مخ «محمد دربكة» سائق الدرب الأحمر.. الأهالى دفنوا «القتيل» وصبوا غضبهم على مديرية أمن القاهرة.. والقاتل «مصطفى فيتو»، رقيب الشرطة، يرقد فى المستشفى، وسلاحه «الميرى» تحول إلى «حرز» فى قضية رأى عام.. أنت تهاجم «الداخلية».. ورجال الأمن يدافعون: والله.. حالة فردية.. فترد عليهم: هو كل يوم مصيبة.. وبعدين تقولوا «حالة فردية»..؟!

ما بين الغضب.. والهجوم.. والدفاع.. ثمة حقيقة مُرة لا نلتفت إليها: القضية أكبر من «فيتو ودربكة».. فكلاهما ضحية.. واحد مات وحرق قلوب أحبابه.. والثانى ضاع مستقبله، وربما حياته.. والجانى الحقيقى مجتمع لا يريد أن يُقر بجريمته.. وبالتالى لن تتوقف الجرائم والضحايا.. لأن المتهم لن يعترف.. ولن ينصلح حاله..؟!

كلاهما - دربكة وفيتو - له من اسمه المستعار حظ ونصيب..!

كلاهما - دربكة وفيتو - ابن مجتمع، أراده كذلك وألبسه رداءً على مقاسه: الأول ولد ليجسد دور القتيل، والثانى شب ليلعب دور «القاتل».. ما كان لأى منهما أن يخرج عن النص..!

كلاهما - دربكة وفيتو - مُنْتج طبيعى من «خط إنتاج واحد»: الطبقة الدنيا.. بعشوائيتها.. بفقرها.. بجهلها.. وبأمراضها أيضاً..!

«محمد دربكة».. لماذا سموه هكذا؟!.. يقولون لأن حياته مثل ملايين غيره «مدربكة».. فتح عينيه على أسرة معدمة.. لا أحد يراهم.. ولا يد تمتد إليهم.. ففى عرف الأنظمة والحكومات المتعاقبة فى مصر هم ينتمون للطبقة الأكثر فقراً، أى نصف الشعب.. أو هم عشوائيون يسكنون تحت الأرض.. كبر «دربكة» فقيراً.. معدماً.. عشوائياً بـ«ختم الحكومة»!

تعلم منذ صغره أنه مجرد رقم فى الدولة.. مهمل طول الوقت.. ومطلوب أحياناً.. وتحديداً عندما يذكرونه فى «خطبة عصماء».. كأن يقول صوت جهورى: «فى مصر 40 مليوناً تحت خط الفقر.. أنا معهم.. أنا واحد منهم.. أنا لهم».. أو يأتيه شخص بنظارة سوداء: «يا دربكة.. إحنا عايزين صوتك فى الانتخابات.. آدى 100 جنيه وبعد التصويت 100، ويا سلام يا بطل لو جبت كام شاب معاك كده.. والفلوس توتو على كبوته»..!

«مصطفى فيتو».. لماذا سموه هكذا؟!.. يقولون لأن حياته تغيرت حين تطوع فى الشرطة، وأصبح «رقيب قد الدنيا».. بات «مصطفى الغلبان» فيتو بين أهله وجيرانه ومعارفه: باشا كبير.. ليس لأنه «رقيب شرطة».. وإنما لأنه «جاور الباشوات».. بدلته الميرى على تواضعها «واخدة شمة» من «بدلة البيه الضابط».. والطبنجة المثبتة فى «جنبه» تحمى «ضهره».. فحين يرمش بعينيه «فيتو» و«كله يلم نفسه».. و«كله يضرب تعظيم سلام»..!

«مصطفى فيتو».. خرج من ذات الطبقة التى أفرزت «محمد دربكة»: فقر.. جهل.. وعشوائية.. غير أنه اختار لحياته مساراً مختلفاً.. ولكن الدراما حتماً سوف تضعه وجهاً لوجه أمام «دربكة»..!

«محمد دربكة».. أدرك مبكراً أنه مجرد رقم فى دفاتر الدولة.. فلجأ لـ«الدولة الموازية».. الحكومة لن تستره بوظيفة، ولن تمنحه فرصة للحياة.. ولن تزوجه من «البنت أم الضفاير» التى تخلب عقله فى الحارة.. قالوا له «ع القهوة»: ريح دماغك يا دربكة.. مفيش فايدة.. اشتغل «كومسيون».. سألهم «يعنى إيه»؟!.. أخدوه من إيده، وركبوه عربية ربع نقل.. وقالوا له «كل 100 جنيه.. لك فيها 25.. وربنا يبارك فى الحلال»..!

«مصطفى فيتو».. كان يجلس على مقهى مجاور.. قالوا له نفس الكلام.. ولكن أحدهم أخده من إيده.. وذهب به إلى «مركز التطوع» وهمس فى أذنه: اسمع يا واد.. هنا هتاخد مرتب ولا حاجة.. بس انت وشطارتك.. البدلة الميرى.. والطبنجة.. والمصلحة هتجيب عشرة أضعاف المرتب.. ماتخافش «مفيش حاتم بيتحاكم»..!

«محمد دربكة» و«مصطفى فيتو» يلتقيان كل يوم وفى أى مكان.. قل إنهما يعيشان سوياً كل لحظة.. فى عشوائيات القاهرة.. أو مدن الدلتا أو أعماق الصعيد.. ولكل منهما «عقدته» تجاه الآخر..!

«فيتو» أصيب بـ«متلازمة السلطة» فور ارتدائه «البدلة الميرى».. فليس صحيحاً أن هذا المرض النفسى يصيب «الرؤساء والملوك» فقط.. وإنما - فى اعتقادى - يسكن كذلك أولئك الذين يحملون فى «أجنابهم» طبنجة ميرى إلا من رحم ربى.. أصيب «فيتو» بهوس القوة حين وجد نفسه «باشا» بين الغلابة.. فهو رجل الباشوات كلهم.. وبين البسطاء - لمن لا يعرف - يصبح «رقيب الشرطة» أقوى من وزير الداخلية شخصياً..!

«دربكة».. أصيب بـ«عقدة القهر».. فإذا كانت الدولة أهملته، فلم تعلمه، ولم توظفه، ولم تحسبه إنساناً فى «دفاترها».. فليس أقل من أن تتركه فى حاله.. وبالنسبة له، فإن «مصطفى فيتو» هو الدولة.. هو السلطة.. وهو من يقهره كل صباح..!

كلاهما - دربكة وفيتو - نتاج لمجتمع مريض.. ودولة عمياء.. بلا إحساس..!

«فيتو» سمع نصيحة من أخده من يده، وألبسه «البدلة الميرى»: عمل مصلحة و«مصالح» وفتح «محل أحذية».. و«دربكة» سمع نصيحة «القهوة».. واشتغل على «ربع نقل» بنظام «الكومسيون».!

«فيتو» اعتاد ألا يدفع حقوق الناس كاملة: الأجرة 50 جنيه خد 20 واحمد ربنا.. لأن «البدلة الميرى» لها واجب.. ولو مش عاجبك «الطبنجة» موجودة..!

«دربكة» طهق، وطلعت روحه من أمين الشرطة والرقيب والعسكرى.. الولد زهق من الدولة والسلطة.. هو يريد أن يصرخ: «يا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسل منك»..!

غير أن «النحلة» لا تترك «دربكة» فى حاله.. ففى «الكمين» لازم يتشد ويتبهدل لأنه «غلبان بيجرى على رزقه».. ثم يرى بعينيه الباشا أى باشا - قاضى.. وكيل نيابة.. ضابط.. إعلامى - يمرح فى «الكمين» بسيارة دون أرقام.. والضابط أو أمين الشرطة يضرب له تعظيم سلام.. وإن لم يفعل نظر إليه من «النافذة السوداء»: انت مش عارف أنا مين؟!.. وإن لم يعرف الضابط.. قامت الدنيا.. واضطرت «الداخلية» للاعتذار..!

«فيتو».. أصبح «باشا».. ولازم يخشاه «دربكة».. و«دربكة» سئم «الباشوات» وقهرِهم له.. لذا كان طبيعياً - بل حتمياً - أن تندلع بينهما مشاجرة!

«فيتو» يتصرف بطبيعته.. بما تعلمه.. بما يؤمن به.. و«دربكة» يصرخ من «تراكم القهر» الذى يسكنه..!

غير أن أحداً منا لم يفهم أن «المشاجرة» لم تكن بين «دربكة وفيتو».. هى مشاجرة بين «مواطن مقهور.. ودولة ضعيفة النظر».. فلا هى تربت على كتف المواطن.. ولا هى ذهبت لطبيب عيون لتركيب «نظارة» أو علاج «العشى» الدائم الذى أصابها..!

هى أيضاً «خناقة» حتمية بين أبناء طبقة واحدة.. كلهم فقراء ومطحونون.. ولكن بعضهم يلحق بـ«ديل الدولة والسلطة».. والبعض الآخر يركب قطار «الدولة الموازية».. لذا فهما لا ينتميان لدولة واحدة.. نعم.. «دربكة وفيتو» ولدا من رحم طبقة واحدة.. غير أنهما حين كبرا بات لكل منهما دولته..!

مات «دربكة» بلا ثمن.. وضاع «فيتو» فى شربة ميه.. وفى مصر 40 مليون «دربكة».. وعشرات الآلاف من «فيتو».. ولأننى واقعى وأحلم بـ«مصر الأجمل».. أرى أن الحل ليس فى تعديل القوانين، ولا معاقبة «فيتو» وأمثاله.. ولا فى محاولة إقناع الناس بأنه «حادث فردى»..!

الحل.. فى رؤية جديدة لـ«عدالة حقيقية».. لـ«مجتمع سوى» لا يفرز «فيتو» السلطوى.. ولا «دربكة» المقهور..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية