x

أحمد أبو هميلة أيام رحيل العظماء أحمد أبو هميلة الجمعة 19-02-2016 21:38


فقدت مصر هذا الأسبوع اثنين من أعظم أبنائها فى العصر الحديث، الدكتور بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، صدمتان قويتان لكل مصرى، تبعثان الرهبة من هذا التسارع فى فراق العظماء، فلم يكونا أول الأوراق المتساقطة من شجرة الوطن، وإنما فقدنا قبلهما بأيام رموز كبيرة فى الرياضة والفن، بعد أن ودعنا كلاً من الكابتن حمادة إمام والكابتن محمود بكر، والفنانين الكبيرين ممدوح عبدالعليم وحمدى أحمد، فى أيام تستحق أن نطلق عليها أيام رحيل العظماء.

رحل الدكتور بطرس غالى، الدبلوماسى المخدرم، وأول مصرى وعربى، بل أفريقى يشغل منصب أمين عام الأمم المتحدة، ويشرف بلده فى ذلك المنصب الرفيع، فهو شخصية عالمية لامعة، ونموذج مصرى مضىء، وبعده بساعات، رحل عنا [الأستاذ] هيكل، الذى يصعب أن توفيه الكلمات قدره، هذا الموسوعة، المدرسة، الشاهد على عصر السياسة الحديثة، وأبرز أعلام الصحافة المصرية.. رحل الرجلان بعد أن تركا أثراً عظيماً سيخلد ذكرهما بكل خير، وإن كنت أرفض تسمية رحيلهما خسارة لا يمكن تعويضها، فنبع الوطن لم ولن ينضب، ومصر عظيمة ستبقى تنجب العظماء، كل ما يحزننا هو فراقهما وغياب شمسهما عن حياتنا.

مشكلتنا أننا نقدر قيمة العظماء بعد رحيلهما، فلماذا لا ير الإنسان كل هذا التكريم والاحتفاء أثناء حياته، أقترح أن يكون لدينا يوماً نسميه [يوم الوفاء]، لتكريم رموز مصر الحقيقيين، واستخلاص الحكم من حياتهم للأجيال الجديدة.

مشكلتنا أيضاً أنه يوجد فى بلدنا أناس يتفننون فى تشويه الناجحين وإجهاض قيمتهم، يختلفون فقط من أجل العنترية، والظهور على أنهم ينتقدون الكبار، يقولون نحن رجال وهم رجال، فى حين أنهم يتشابهون معهم فى مظاهر الذكورة فقط، فمنهم من يعارض الأستاذ هيكل وهو لم يقرأ له كتاباً واحداً، أو ينتقد الدكتور بطرس غالى، وإن سألته ماذا تعرف عنه أثناء توليه منصبه، تجده لا يرد لك إجابة، فلنتعلم منهم أولا ثم ننتقدهم، فالمعارضة فى الرأى مطلوبة ولكن بأدب ودون الانتقاص من قيمة أحد.

تلك المشكلات وغيرها تجعل من الواجب على الدولة الاهتمام بهذه الثروة القومية من الرموز، والذين يشكلون قوة مصر الناعمة، وإنشاء جهة مختصة بذلك، أعتقد أن دولة مثل الإمارات لو كان لديها ما لدينا من إمكانيات لأنشئت وزارة خاصة بالقوة الناعمة، أعلم أننى لو عرضت هذه الفكرة على أحد المسؤولين، أو رئيس هيئة حكومية، سيرمش بعينيه وينظر إلى السقف مستنكراً، وكأننى أطلب منه أن يضع خطة اقتحام خط بارليف، فالفكرة حديثة تحتاج فكر حديث، لن يقدر قيمتها مسؤول تقليدى، فهى تحتاج إلى فكر شبابى، من طراز فكر سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبى، ولدينا جيل من الشباب القادرين على القيام بتلك المهمة، ومستعدون لذلك دون مقابل، فقط يحتاجون الفرصة.

لابد من وجود هذه المؤسسة، لترسيخ قوة مصر الناعمة فى وجدان المجتمع، والاستفادة من الإمكانيات الضخمة، ومخاطبة الخارج باللغة التى يفهمونها، وأن تكون على تواصل مع جميع الجهات، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء والبرلمان والصحف ومراكز الفكر، وتكون مهمتها تجميع قوة مصر الناعمة فى العصر الحديث وعلى مر التاريخ، من فنانين ورياضيين وسياسيين واقتصاديين ومؤسسات وغيرها من رموز تعكس تنوع قوة مصر، والنظر فى كيفية توظيفها، وسنكتشف وقتها قيمة ما لدينا من ثروة حضارية عظيمة.

وعندها لن نندم على رحيل العظماء، بل سنعتبر رحيلهم أمراً طبيعياً طالما نحقق ما كانوا يسعون من أجله وهو إفادة هذا الوطن، ونظهر أن مصر ليست فقط الحرب على الإرهاب، وإنما هى مصر الحضارة، بتحويل القوة الناعمة لمصر من حبر على ورق فى الكتب إلى واقع، ونفض التراب عن الكنز، وكشف مقومات قوة الدولة الحقيقية وإعادة ثقتها فى نفسها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية