بأى ثمن تريد هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، أن تكون مرشحة حزبها الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة أول نوفمبر المقبل، وهى فى سعيها المحموم نحو هدفها تبحث عن أى وسيلة تقربها منه، أو تحملها إليه!
وفى واحدة من جولاتها بين الولايات الأمريكية، للدعاية لنفسها، جاءت بصديقتها مادلين أولبرايت تدعو لها بين الناخبين!
وكان أن نقلت الصحف الأمريكية عن أولبرايت أنها قالت، وهى تقف مع «هيلارى» فوق منصة واحدة، إن مكاناً خاصاً فى الجحيم سوف يكون فى انتظار السيدات اللاتى لا يعطين أصواتهن لصديقتها «كلينتون»!
بعدها.. وجدت «أولبرايت» أنها مضطرة لأن تكتب مقالاً فى الـ«نيويورك تايمز» تقول فيه إن هذا لم يحدث، وإن لسانها لم ينطق بهذا المعنى أبداً!
المقال نشرته «المصرى اليوم» مترجماً، صباح الأحد الماضى، فى لغة عربية جميلة، للأستاذة أمانى عبدالغنى، وكان عنوانه: اللحظة غير الدبلوماسية التى عشتها!
فيه تقول أولبرايت إنها منذ سنوات طويلة تردد هذه العبارة: إن فى الجحيم مكاناً خاصاً للنساء اللاتى لا يساعد بعضهن البعض!.. ثم تضيف أنها منذ كانت مندوبة لبلادها فى الأمم المتحدة، كانت تردد عبارتها هذه، وأنها بالتالى لم يحدث أن وصفت أى سيدة لا تعطى صوتها لهيلارى كلينتون بأن مصيرها سوف يكون إلى ذلك المكان الخاص فى الجحيم، وأن هناك فارقاً بين عبارة كانت ولاتزال ترددها، وبين أخرى لم تنطق بها!
وبالطبع، فإن دفاعها عن نفسها ينطوى على مراوغة كبيرة كما ترى، لأن المعنى فى الحالتين يكاد يكون واحداً، ولكنها تراوغ فى سبيل التملص مما ضبطها به الإعلام، وهى متلبسة بالشروع فى ارتكابه!
هى تحاول أن تقول إن مشوارها الدبلوماسى الطويل قد علمها أن الكلمات تعنى الكثير حين تأتى فى سياقها، وأن اللحظة التى جرى فيها تأويل كلامها للدعاية لصديقتها المرشحة رئاسياً من اللحظات غير الدبلوماسية القليلة التى عاشتها فى حياتها!
وربما يكون الدرس الأهم فى القصة كلها، وهو ما لم تشأ هى أن تشير إليه، أن الإعلام الأمريكى، بشكل خاص، ثم الإعلام من بعده، بوجه عام، يستطيع أن يصنع الأساطير من لا شىء، وأنه، كإعلام غير ملتزم عندئذ، يقلب الحقائق كاملاً إذا ما أراد الانتصار لشخص، ضد شخص آخر، وإلا، ما كان قد وضع على لسانها هى ما لم يحدث أن صرحت به بأى حال!
فإذا شئنا الدقة قلنا إن كليهما قد كشف الآخر، فهى قد ضبطت الإعلام متلبساً، كما ضبطها الإعلام على الحالة نفسها بالضبط من جانبه، وكان الضحية فى الحالتين هو الجمهور الذى يثق فى الإعلام، وفى الساسة، فيكتشف، فى أحيان كثيرة، أنها ثقة فى غير محلها!