x

محمد كمال من يهتم بالطبقة المتوسطة؟ محمد كمال الأحد 14-02-2016 21:13


يدور الجدل هذه الأيام حول تأثير سياسات الإصلاح الاقتصادى على الطبقات الفقيرة، وتتحدث الحكومة بكل قوة، وهو أمر محمود، عن استمرار دعمها للفقراء ومحدودى الدخل وأنهم لن يتأثروا بأى قرارات تتعلق بزيادة الأسعار. فى المقابل لا نجد أى حديث حول تأثير هذه السياسات الاقتصادية على الطبقة المتوسطة، ويبدو أن هذه الطبقة هى التى تتحمل الآن العبء الأكبر لتطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى، خاصة ما يتعلق بزيادة أسعار بعض الخدمات العامة مثل الكهرباء، أو الارتفاع المتزايد فى قيمة الدولار التى أدت لارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات التى تستهلكها هذه الطبقة، وانخفض الدخل الحقيقى لجانب ممن كان يعتبرون تقليدياً من أبناء الطبقة المتوسط، وكادت تتلاشى الحدود بينهم وبين الطبقات الفقيرة من حيث مستويات المعيشة.

ولا يقتصر غياب الحديث عن الطبقة الوسطى على القضايا الاقتصادية فقط، بل نكاد لا نجد أى إشارة للطبقة الوسطى فى الخطاب السياسى - سواء للحكومة أو للأحزاب السياسية - بالرغم من الأهمية التى تمثلها هذه الطبقة باعتبارها العماد الأساسى، لأى نظام سياسى، ومصدر استقراره والقوة المحركة لتقدمه.

ومع الاحترام الكامل لدور الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل وأهمية أن يكون هناك دور للدولة فى حماية هذه الطبقات، إلا أن هذا لا يبرر أن تحتل هذه الطبقات صدارة الخطاب السياسى المصرى وأولوية السياسات العامة، ويتم تجاهل الطبقة الوسطى، وبالرغم من أن حماية الطبقات الفقيرة يعد ضرورياً لتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أننا لا نعرف أى تجربة تاريخية قامت فيها هذه الطبقات بقيادة حركة التقدم فى أى مجتمع من المجتمعات، بل يعلمنا التاريخ أن هذا الدور النهضوى قامت به الطبقة المتوسطة فى معظم دول العالم.

وقد كتبت فى مقال سابق بهذه الجريدة أن الطبقة الوسطى فى مصر لا يجب النظر إليها استناداً لمعيار الدخل فقط، فهذه الطبقة تضم عدداً أكبر من المواطنين استناداً لمستوى التعليم ونوعية المهنة. وينظر هؤلاء لأنفسهم على أنهم من الطبقة الوسطى، حتى لو كانت دخولهم لا تدخل فى إطار هذه الطبقة. وأن مشاكل هذه الطبقة ليست وليدة اليوم بل هى نتاج لسنوات طويلة، وأن أبناء هذه الطبقة، خاصة فى المدن، قد لعبوا دوراً أساسياً فى عملية التغيير التى حدثت بمصر فى السنوات الأخيرة، وأدى إغفال مطالبهم وتطلعاتهم الى خروجهم فى المظاهرات المطالبة بالتغيير.

ما دفعنى للكتابة مرة أخرى عن الطبقة المتوسطة هو عودة ظاهرة الاحتجاجات لدى بعض قطاعات هذه الطبقة، مثل احتجاجات أطباء مستشفى المطرية التى ساندتها الجمعية العمومية لنقابتهم فى اجتماع الجمعة الماضى، ومن قبلها احتجاجات موظفى الدولة التى نجحت فى إسقاط قانون الخدمة المدنية بالبرلمان. هذه الاحتجاجات تتعلق فى مظهرها الخارجى بقضايا مهنية، ولكنها فى واقع الأمر تعكس بُعدا أكبر يتعلق بالمكانة والتوقعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأبناء هذه الطبقة، فقضايا أبناء الطبقة الوسطى لا تتعلق فقط بالدخول وتحسين جودة الخدمات، ولكن ترتبط أيضا بالحريات والمكانة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

المتابع للجدل السياسى فى معظم دول العالم يجد أن الحديث عن الطبقة الوسطى والاهتمام بقضاياها يحتل موقع القلب فى الخطاب السياسى، والصدارة فى برامج الأحزاب، والأولوية فى السياسات العامة، ولكن الأوضاع فى مصر تختلف عن هذا النمط العالمى.

نحتاج خطاباً سياسياً موجهاً لأبناء هذه الطبقة، وسياسات عامة تتبنى مطالبهم وآمالهم، وكوادر سياسية تستطيع التعامل مع هذه الطبقة المسيسة. وأخيرا، فالطبقة الوسطى هى رمانة الميزان، وإهمالها سيؤدى بالضرورة لاختلال التوازن فى المجتمع وعدم الاستقرار فى الدولة، والاهتمام بالطبقة الفقيرة يجب ألا ينسينا الطبقة المتوسطة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية