x

محمد كمال أين عقل مصر؟ محمد كمال الأحد 31-01-2016 21:34


مراكز الأبحاث هى عقل الأمة. ولا أقصد بذلك مراكز الأبحاث المختصة بالعلوم التطبيقية والتكنولوجية، ولكن مراكز الأبحاث المعنية بالسياسات العامة، والتى يطلق عليها العالم اسم بيوت التفكير أو Think Tanks.

كل دول العالم المتقدم بها مثل هذه المراكز، التى تجمع بين أصحاب الخبرات العملية وأصحاب الرؤى الفكرية، والتى تدرس قضايا المستقبل بهدوء، وتقدم التوصيات لصانع القرار المنشغل بإدارة دولاب العمل اليومى، ولا يملك الوقت وربما القدرات للتفكير فى المستقبل.

مراكز الأبحاث الأمريكية هى التى خرجت منها الأفكار الكبرى التى تبنتها الحكومات المتعاقبة، بدءا من استراتيجية احتواء الاتحاد السوفيتى وحتى سياسة دمج الإسلاميين فى النظم العربية، بالإضافة لأفكار أخرى تتعلق بتطوير سياسات الصحة والتعليم.. إلخ. مراكز الأبحاث هى أحد مكونات القوة الناعمة للدولة، وإحدى أدوات حروب الأفكار.

مراكز الأبحاث هذه لم تعد مقصورة على الولايات المتحدة وأوروبا، بل انتشرت وأصبحت تلعب دورا أساسيا فى دول الشرق الأوسط وخاصة إسرائيل وتركيا وإيران. والجديد فى الأمر أن عددا من دول الخليج، خاصة الإمارات والبحرين، أنشأت مراكز مماثلة، وأصبحت تحتل مكانة بارزة فى سوق الأفكار بالعالم العربى.

سر نجاح مثل هذه المراكز يرتبط بأمرين، الأول هو علاقتها بالدولة ومؤسسات صنع القرار بها، فبدون إدراك الدولة لأهمية دور هذه المراكز، وأهمية التواصل معها، والاستفادة من إنتاجها البحثى، تصبح هذه المراكز مجرد أرشيف لتخزين الأفكار. العامل الآخر يتعلق بتوفير التمويل اللازم لهذه المراكز للقيام بنشاطها وتوفير الظروف الحياتية الملائمة للباحثين لإخراج عصارة فكرهم، والحفاظ على وجودهم داخل البلاد بدلا من هجرة العقول للخارج. العديد من دول العالم تساهم فى تمويل مثل هذه المراكز بشكل مباشر أو غير مباشر، أو يقوم تمويلها على تبرعات رجال أعمال أو مؤسسات اقتصادية، تدرك أهمية الدور الذى تقوم به هذه المراكز.

وماذا عن مراكز الأبحاث بمصر؟

مصر للأسف لا تملك مركزا بحثيا تتوافر فيه المواصفات العالمية لبيوت التفكير. والسبب الرئيسى فى ذلك أن العديد من مؤسسات الدولة سواء فى العقود الماضية وحتى الآن لا ترى أهمية لمثل هذه المراكز. وكل مؤسسة داخل الدولة لا تريد أن تتبنى أفكارا تم صنعها خارجها، وترى أن لديها القدرات البشرية وأصحاب الخبرات القادرين على توليد أفكار التطوير. وأدى ذلك إلى قيام العديد من المؤسسات بإنشاء وحدات بحثية داخلها، ولكن دورها لم يتجاوز تدوير أفكار قديمة وعدم القدرة على الخروج من هذا الصندوق.

يضاف لذلك أن الدولة لا تبدى أى حماس لتكليف مراكز الأبحاث القائمة بمصر بدراسة أى قضية وتقديم توصيات بشأنها، وتفضل استضافة بعض الخبراء فى رحاب الوزارة أو المؤسسة، وفى مهام شكلية تدخل فى إطار العلاقات العامة، أو تطالب بعض المراكز باستضافة مسؤولين أجانب يزورون البلاد للحديث أمامها من باب ملء جدول زيارة المسؤول الأجنبى.

هناك أيضا قضية ضعف التمويل، وانسحاب الدولة من تمويل مراكز الأبحاث الموجودة بالجامعات، بحجة أنها وحدات ذات طابع خاص، بل واستيلائها على ما يقرب من 30% مما تدبره من تمويل فى صورة ضرائب واستقطاعات مالية. أدى ذلك لهروب الباحثين للخارج، ودخول أطراف أجنبية كممول رئيسى لمراكز الأبحاث الموجودة فى مصر.

مصر تحتاج مركز أبحاث يليق بها وهى ليست أقل من دول المنطقة فى هذا الشأن، وتمويل هذا المركز أهم من تمويل برامج تليفزيونية ينفق عليها ملايين الجنيهات. نحتاج مركز أبحاث يكون عقل مصر، ويقدم المساعدة للدولة، والتوصيات للمسؤولين الذين يعانون من فجوة الخبرة، ويطرح رؤى للمستقبل بدلا من البحث عن حلول فى الدفاتر القديمة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية