x

محمد كمال الثورة التى لا نتحدث عنها محمد كمال الأحد 24-01-2016 21:44


انشغلت النخبة المصرية هذا الأسبوع بأحاديث عن الثورة، واستمر الجدل حول ما حدث فى 25 يناير2011 وهل ينطبق عليه توصيف الثورة أم لا؟ وهل نحتفل بعيد الشرطة أم الثورة؟ ومع الاحترام لوجهات النظر المختلفة، إلا أنها مناقشات نظرية لا تسمن ولا تغنى من جوع، ومكانها كتب التاريخ. هذا الأسبوع أيضا كانت نخبة العالم تتحدث عن ثورة أخرى، حيث اجتمع أكثر من 20 رئيس دولة، وحوالى 2500 من قادة قطاع الأعمال والفكر والسياسة فى مدينة «دافوس» السويسرية، فى إطار المنتدى الاقتصادى العالمى لمناقشة «الثورة الصناعية الرابعة».

العالم شهد ثلاث ثورات صناعية من قبل، الأولى بدأت عام 1784 باستخدام المحرك البخارى، والثانية فى 1870 باكتشاف الكهرباء، والثالثة بدأت فى 1969 وعرفت بالثورة الرقمية. الثورة الرابعة والتى تتبلور الآن تجمع بين تطبيقات الذكاء الصناعى، والتكنولوجيا الحيوية، والجينات، وما يعرف بتكنولوجيا «النانو»، وتطبيقات الإنسان الآلى (الروبوت)، وآلات الطباعة المجسمة (ثلاثية الأبعاد). هذه «الثورة الرابعة» وصفها كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادى بأنها ستحدث تغيرات فى جميع نواحى الحياة، وستجتاح كافة المجتمعات مثل «التسونامى».

ناقش المجتمعون فى دافوس الفرص والتحديات المرتبطة بهذه الثورة، فمن ناحية سوف تؤدى إلى زيادة رفاهية الإنسان، وإطالة عمره، وتوفير سلع وخدمات بكفاءة أعلى وسعر أقل. ولكنها فى نفس الوقت ستمثل تحديا للعديد من المجتمعات وسيكون عليها تبنى تحولات هيكلية للتكيف معها. على سبيل المثال أشارت إحدى الدراسات إلى أن هذه الثورة سينتج عنها الاستغناء عن 7.1 مليون وظيفة فى الدول الصناعية الكبرى فقط حتى عام 2020، حيث ستستخدم الآلات Automation مكان العمال. وستولد هذه الثورة 2.1 مليون فرصة عمل جديدة، ولكن لأصحاب المهارات العالية. وتشير الدراسة إلى أن القطاعات التى ستحل فيها الآلات محل العمالة ترتبط بالوظائف المكتبية والإدارية، والصناعة والإنتاج، والصيانة (ستستطيع الماكينات صيانة نفسها)، فى حين ستزداد فرص العمل المرتبطة بالهندسة والكمبيوتر والتصميم والرياضيات. هذا الأمر سوف يؤدى إلى تغير هيكل القوة الاقتصادية فى العالم، وستفقد الدول التى لها ميزة نسبية تتعلق بالعمالة الرخيصة هذه الميزة، حيث سيحل محلها الإنسان الآلى فى خطوط الإنتاج، وسيكون على دول العالم تكثيف استثماراتها فى التعليم وخاصة المهارات التى تحتاجها سوق العمل الجديد.

هذه «الثورة الرابعة» سيكون لها تأثير أيضا على السياسة، حيث سيصبح العمل العام أكثر شفافية، وستزداد صعوبة الحفاظ على ثقة المواطن وسيكون من السهل فقدانها، وسيزداد تأثير المواطن على السياسات العامة والتشريعات فى لحظة صناعتها بسبب قدرته على التواصل المباشر والسريع مع المسؤول أو عضو البرلمان من خلال أدوات الاتصال الحديثة. وقد شهدت مصر إحدى لمحات ذلك فى الأسبوع الماضى، حيث ذكر لى أكثر من عضو من مجلس النواب أنه رفض قانون الخدمة المدنية بسبب حجم الرسائل الإلكترونية والهاتفية التى وصلته من أبناء دائرته أثناء مناقشة القانون بالبرلمان، وحثته على رفضه.

الخلاصة أن الثورة الصناعية الرابعة قد بدأت، وتأثيرها علينا هو أمر حتمى، وسوف يحدث بأسرع مما نتخيل. ويبقى السؤال حول قدرتنا على التكيف مع هذه الثورة والتى سترتبط بشكل كبير بعدد من المؤشرات أهمها مرونة سوق العمل المصرية، والبنية التحتية، والقدرات التكنولوجية، وقبل كل ذلك النظام التعليمى والاستثمار فى مهارات الابتكار والإبداع وليس الحفظ والاسترجاع.

الحديث والنقاش حول التحديات التى تمثلها «الثورة الصناعية الرابعة» على مصر أهم بكثير من التناحر حول «ثورية» ما حدث بها فى السنوات الأخيرة، والحديث عن المستقبل أهم وأنفع من الحديث عن الماضى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية