x

جمال الجمل لست أشكو منك.. فالشكوى عذاب الأبرياء جمال الجمل الخميس 11-02-2016 22:52


(1)

لا أذكر بدقة متى بدأت تصيبني نوبات الدوار، لكنها صارت في الفترات الأخيرة أهم متغير في حياتي، كنت في البداية ألعنها، وأتعامل معها بعناد وعدائية شديدة، لكن هذا كان يزيدها شراسة، وبعد تكرارها عدت إلى طبيعتي في مصاحبة أمراضي بلطف، وصارت بيننا علاقة أليفة، وقلت لماذا أعتبرها مرضاً؟، لماذا لا تكون هذه الأعراض هي الحياة الطبيعية على باب الكهولة؟، أو لماذا لا تكون استمرارا لحالة «التماهي» التي أعيشها منذ عقود مع الوطن، وبما أن الوطن تائه ودائخ، فمن الطبيعي أن اشعر أنا أيضا بنفس الأعراض، لكن الدوار لم يتوقف عند حد، صار يهددني بعدم القدرة على مشاهدة السينما، ثم عدم القدرة على التركيز والكتابة، ولما أحاول الضغط على نفسي وأكتب قسراً، تخرج كلماتي عصبية وعنيفة، وربما مبتسرة وغير مقنعة أحيانا، لهذا توقفت منذ أسبوع كامل، وهذه فترة طويلة جداً، إذا أخذنا في الاعتبار أنني كنت أكتب يوميا طوال السنوات الأخيرة بصرف النظر عن معدل النشر، هذا عدا القراءة الكثيفة ومشاهدة معظم أفلام المهرجانات الدولية.

(2)

يحذرني الأطباء من تدهور حالتي الصحية، ويحاولون نزع اعترافي بالمرض، لكنني مازلت مصرا على أن ما يحدث طبيعي جدا (كتر خير الدنيا وشكرا لصحتي التي تحملت نزقي وإهماي وبهدلتي لها)، أنا ممتن للحياة، وسعيد بكل ما فيها حتى الدوار والألم، اللهم «ديمها» علينا نعمة، وأفسح لنا مساحة نحب فيها خلقك، ونصنع الخير بقدر عونك، ونأمل في الأجمل والأكرم طمعا في فضلك، والهمنا الصبر في مقابل الألم، والسكينة في مقابل الدوار، وحب الناس في مقابل اعوجاج الحكام.

(3)

قديما كنت أكتب في الصفحة الأولة من كراسات المدرسة، وكشاكيل المحاضرات في الجامعة بيت شعر من قصيدة «لست أشكو» لكامل الشناوي نصه: أنا لا أشكو/ ففي الشكوى انحناء/ وأنا نبض عروقي كبرياء«، لكنني في السنوات الأخيرة ذقت لذة الشكوى لله، واعترتها حالة جميلة من خشوع المحبة وصلاة الضعف، وتوسل العون من القوي الرحيم، ومع الوقت اتسعت حالة المحبة ولذة الشكوى لتوصل حبال الود مع المحبين، وأحسست كم هو جميل أن نحكي بلا ملل، ونشكو بلا ثقل، ونفضفض بلا فجيعة، فكلنا ضعفاء، وكلنا نحتاج للمسة عون، ومزيد من الاطمئنان بالعَود والعَون، والمشاركة، وتبادل الكلمات الطيبات، ولذلك أرجو ألا تعتبروا مقالي هذا، شكاية من ظلم، أو احتجاج على المرض أو الزمن، بل هو في جوهره رسالة محبة، ودعوة للتواصل الودود، والتماس للتسامح والمغفرة، أرجو أن تغفروا لي خشونة كلماتي أحيانا إذا ضايقت أحدكم، وأرجوا أن تقرأوها كدعوة للإصلاح والخير، متعففين عن الوقوف أمام لفظ قد لا يعجبكم، فقد صرت أخشى كثيرا من عدم السيطرة على انفعالاتي وعلى كلماتي، وأشعر بمزيد من الجهد وأنا أحاول الحفاظ على المستوى الذي عاهدت به نفسي وعاهدتكم أن أظل وفيا له وحريصا عليه في الموقف الإنساني المجرد من الهوى والغرض الفردي، وايضا في طريقة العرض الأدبي والفني.

(4)

كنت قد بدأت سلسلة «النوافذ» ومازال فيها المزيد من القول، لكن تركيزي يحول دون استكمالها بالشكل الذي خططت له، وكنت قد جهزت لاقتحام عدد من الملفات الشائكة في حياتنا، لكن الاحترام يقتضي ألا أخوض فيها بسطحية وتسرع، حتى لا تتحول إلى نوع من النقد الرخيص، والاستسهال في عرض المشكلات والتعريض بالفاسدين لمجرد التشهير بلا دليل دامغ، فنزيد من خطورة الضجيج، وتتوه الحقائق في زحام الشجار والكلام، ومشكلتي الآن أنني لا أعرف كيف أختار موضوعا للكتابة يلائم حالتي الذهنية والصحية من دون أن أسقط في التفاهة، أو أضيع وقتكم بكلمات فارغة لا تمتع ولا تفيد، لكنني لن أيأس ولن أستسلم.. أمهلوني إلى الغد، وسوف أجد طريقة للعبور من النفق دون السقوط في فخ التفاهة.

(5)

وحتى لا يمضي المقال بلا مشاغبة تثبت أنني لازلت على الطريق، أؤكد لكم أيها الأخوة المواطنون الذين ابتهجوا واحتفلوا في 11 فبراير 2011 أنني لن أتنحى ولن أتخلى، ولن أفوض التافهين في إدارة شؤوني، ولن أسمح بترويض كلماتي... والله الموفق والمستعان.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية