حين تقرأ وتشاهد رسائل الإخوان وبرامجهم بعد مباراة القمة بين الأهلى والزمالك.. لا تملك إلا أن تضحك.. ويمكنك أيضاً أن تشعر بالدهشة والاستغراب ممن تحجّرت عقولهم واستسلموا لأفكار ومفردات قديمة جداً تجاوزها الزمن.. فإذا كان مفهوماً أن يكره الإخوان الرئيس السيسى وأن يحاربوه ويطاردوه بكل ما يستطيعونه ويملكونه من لعنات واتهامات باعتباره الرجل الذي انتزع منهم الحكم وأعاد مصر لأهلها.. فإنه من غير المفهوم أن يتهم الإخوان الآن الرئيس السيسى باستغلال كرة القدم وإلهاء الناس بالأهلى والزمالك حتى لا يجدوا وقتاً أو إرادة لمراقبة الرئيس أو محاسبته ومراجعته وانتظار تحقيقه وعوده وطموحات الناس.. وفور انتهاء مباراة القمة الأخيرة بدأت أصوات الإخوان وبرامجهم تتهم الرئيس السيسى بذلك.. وشاركهم أيضاً سياسيون ونشطاء معارضون هذا الادّعاء وسايروه وساروا وراءه أيضاً.. واستند كل هؤلاء إلى فكر مصرى قديم، يتلخص في الاستغلال السياسى المصرى لكرة القدم من أجل إلهاء الناس والاكتفاء بحروب الكرة وألوانها وصراعاتها.. ولم يكن كل ما يقال في هذا الشأن واقعياً وحقيقياً.. ولم تكن كرة القدم طوال الوقت مجرد لعبة سياسية لإلهاء المصريين بقدر ما كانت في أوقات كثيرة مجرد وسيلة لكسب اهتمامهم وانتباههم وحبهم.. حاول ذلك الإخوان أنفسهم في سنواتهم الأولى، وأيضاً القصر وحزب الوفد وعبدالناصر ومبارك أيضاً.. ومن المؤكد أن كرة القدم بعد ثورة يناير لم تعد تصلح في مصر لأى إلهاء سياسى أو اقتصادى أو إعلامى.. فقد أصبح الجميع منذ 2011 يتعاطون السياسة وعاشوا الثورات والتحوّلات وعرفوا الغضب والرفض والاحتجاج واستعادوا كثيراً من حقوق غائبة وضائعة.. والذى يعيش كل ذلك ويصبح شريكاً فيه وشاهداً عليه يصعب جداً أن تُلهيه أي مباراة لكرة القدم حتى لو كانت تجمع بين الأهلى والزمالك.. فالمصريون الذين تابعوا القمة الأخيرة بكل شغف واهتمام وفرحوا بفوز الأهلى أو حزنوا لهزيمة الزمالك، لم يُنسهم ذلك كله متابعة ألف قضية أخرى من أطباء المطرية إلى السجاد الأحمر مروراً بقوانين البرلمان وأخطاء الحكومة وعجزها.. ولهذا أرفض إهانة عموم الناس في مصر والعودة إلى اتهامهم من جديد بأنهم ضحايا لكرة القدم التي تسرق منهم عقولهم ووعيهم وذاكرتهم وتجعلهم مجرد دمى تتحرك بخيوط حريرية في يد الرئيس أو الدولة..
ثم إن أصحاب هذا الاتهام لا يشرحون لنا وسط كلامهم المرسل واتهاماتهم سابقة التجهيز ما هي علاقة الرئيس السيسى بقمة الأهلى والزمالك.. فهى مباراة لم يخترعها الرئيس ولم يختر موعدها ولم يتحكم في نتيجتها ليشعل نار التعصب والحساسية.. بل إنه لسوء حظ الإخوان لم تكن هناك أي حساسية.. وللمرة الأولى منذ وقت طوبل تنتهى مباراة قمة دون أن تتبعها اتهامات ومشاجرات وحروب في الإعلام أو الشارع.. رئيس الزمالك ومدربه أشادا بفوز مستحق للأهلى، ومسؤولو الأهلى أكدوا احترامهم للزمالك.. ولاعبو الفريقين احترموا بعضهم البعض أثناء المباراة وبعدها.. حتى ألتراس الأهلى كان قبل المباراة بيوم واحد متضامناً مع وايت نايتس المحتفى بذكرى شهداء مأساة الدفاع الجوى.