سبحان مغير الأحوال، فالأهلى الذى كان يرثى لحاله ويهاجم من طوب الأرض وجرذانها، وينتظر البعض نهايته، يعود إلى القمة متربعاً ومتمرمغاً فى نعيم المديح والإشادة والاستحسان، والزمالك الذى طالما خشى الجميع الاقتراب منه أو تصويره، مثل المناطق العسكرية والمخابراتية الحساسة، صار مضغة فى الفم ومحط سخرية وشماتة.. هى مباراة واحدة قلبت الموازين.. صحيح مباراة بسبع نقاط ولكنها تبقى مباراة فى مشوار دورى طويل لم ينته فصله الأول، تلك هى المقاييس الارتجالية والانطباعية التى تحكم أفكارنا واتجاهاتنا، تعالوا نَغُصْ إلى أبعد من تلك الانطباعات والمشاعر اللحظية حتى نرى الصورة أكثر وضوحاً فى الأهلى والزمالك.
أولاً: الفرحة الغامرة التى عاشتها جماهير الأهلى ولاعبوه وإدارته، والتى تشبه فرحة الفوز ببطولة كبيرة وليس مباراة بثلاث نقاط، تأتى تعبيراً عن كبت وضغط عصبى ونفسى مارسه الإعلام وبعض المتربصين والكارهين لتضخيم أى مشكلة أو أزمة يمر بها الفريق أو إدارة النادى، وأفقدت الناس الثقة فى إمكانيات ناديهم وفريقهم ولاعبيهم، فالفوز هو انتصار على الروح الانهزامية وصرخة فى وجه أصحاب الدعاية السلبية والأقنعة السوداء التى أظلمت المستقبل أمام هذا النادى العريق، فارتفاع الفارق إلى سبع نقاط عن الزمالك قبل انتصاف الموسم الكروى أمر لم يكن يتوقعه أحد، ليس لأن الأهلى ضعيف ولكن لأن الإعلام القاسى قتل الطموح ونزع الأمل، وإن كنت أتفهم هذه الفرحة لبعض الوقت فإننى أخشى أن تستمر لوقت أطول، فتكون الفرحة التى قتلت صاحبها.
ثانياً: عن نفسى لست مندهشاً من فوز الأهلى أو تقدمه المبكر فى عدد النقاط عن حامل اللقب، ففى هذا المكان وقبل بداية الموسم قلت لكم إن إدارة الأهلى استفادت من أخطاء الموسم الماضى ووضعت خطة قوية لتصحيح المسار وإعادة بناء الفريق الذى تم دعمه بكوكبة من النجوم الحقيقيين والمميزين وأصحاب المهارات العالية والطموحات الكبيرة، وقلت إن الأهلى الذى دعم فريقه بصفقات بـ٦٠ مليون جنيه (خالية من السمسرة أو العمولات)، وهو رقم نهائى وموثق من الأستاذ كامل زاهر، أمين صندوق النادى، ومهندس ميزانية الأهلى- يملك منتخباً قادراً على المنافسة القارية إذا أحسن توظيف لاعبيه والسيطرة على نجومه وقتل روح الفردية والذاتية والغرور، وقد ظهر أول نتاج هذه الكوكبة فى مباراة السوبر المحلى التى اقتنصها من الزمالك فى الإمارات، والآن يتقدم بثبات نحو القمة رغم الظروف المعاكسة بعد الرحيل المفاجئ للمدرب الكفء جوزيه بيسيرو، الذى يجنى الأهلى الآن أولى ثمار عمله وتنظيمه الخططى واللياقى.
ثالثاً: أعاد فوز الأهلى وتقدمه فى الدورى الحديث عن استمرار الكابتن المحترم المهذب زيزو مديراً فنياً، وهو قرار لم تحسمه الإدارة، وإن كان الإلحاح عليه من الخارج يدفعها للتفكير، وتغيير الاستراتيجية التى أقرتها فى بداية الموسم، ولبقائه إيجابيات، أبرزها تفهمه لحالة الفريق وإمكانيات اللاعبين، ما يسهل مهمة الاستمرار فى التقدم نحو اللقب، ولكن مخاطرها كبيرة، أهمها خسارة الأهلى لزيزو كمشرف على الكرة ومخطط إعادة بناء المنظومة الفنية والإدارية وتشكيلها فى جميع القطاعات، وهو دور أراه أهم بكثير للأهلى فى هذا التوقيت الحساس من عمله كمدير فنى، وغيابه عن هذا المكان لن يجد الأهلى من يعوضه، لما يملكه من خبرة وهدوء وقدرات تنظيمية وتفاهم مع المهندس محمود طاهر، المفوض بالإشراف على الكرة من قبل مجلس الإدارة، أضف إلى ذلك أن الكرة غدارة، ووجود هذه الكوكبة من اللاعبين سلاح ذو حدين؛ لذا فالمدرب الأجنبى هو الأنسب حيث العاطفة منزوعة ولن يتأثر بنجومية لاعب أو تاريخه، كما يحدث مع المدرب المحلى، أما القول إن المدرب الأجنبى يحتاج إلى وقت للتأقلم، فمرده وجود «عظيمة»، المدرب العام، الذى لا يجب إغفال دوره فى استمرار وحدة وتماسك الفريق بعد رحيل بيسيرو، ومعه سيد عبدالحفيظ الذى نجح ببراعة فى إغلاق كل الثغرات الإدارية والتنظيمية التى خلفها سابقه، وأشاع العدل فى العقاب والثواب بين اللاعبين وقتل روح الفتنة التى هزمت الأهلى الموسم الماضى بالتفرقة بين اللاعبين الكبار والصغار والقدامى والوافدين.
رابعاً: استوقفنى بعد المباراة الظهور المكثف فى الفضائيات للدكتور أحمد سعيد، نائب رئيس النادى السابق، الذى رفض التعيين فى المجلس الحالى مع أربعة من الأعضاء، معتبراً ذلك ضد مبادئ الأهلى. وللرجل وجهة نظر أحترمها، وسبق أن أفضت فى نقاشها ولكن عليه هو الآخر أن يحترم قراره ويتحفظ فى الحديث عن شؤون النادى مادام لم يعد لديه صفة بداخله، خاصة أن هذه التصريحات التليفزيونية جاءت بعد فوز الأهلى وتقدمه، مما قد يفهمه البعض بأنه ركوب على الانتصار، فرض نفسه على المشهد، وأعتقد أن مستواه الأخلاقى والإدارى أرفع من أن يضع نفسه فى هذه الشبهات، ولكن الأسوأ من مداخلاته وأحاديثه هو ما قاله من أن الكابتن زيزو يتابع معه شؤون الفريق أولاً بأول، ويحدث له المعلومات، وهو أمر لا يصح، فإذا كان داخل المجلس فهو ليس مكلفاً بهذه المتابعة، حتى يتابع شؤون الكرة مع زيزو أو غيره، تلك هى مبادئ الأهلى، وهى أيضاً قواعد الإدارة العلمية السليمة، أما إذا كان خارج المجلس فهذه مشكلة أخرى، تحرج المشرف على الكرة أمام مجلس الإدارة الحالى لأنه يذيع معلومات النادى لشخص غير ذى صفة، ثم عاد سعيد وأخطأ فى حديثه مرة ثالثة، وأعلن أنه مع بقاء الكابتن زيزو مديراً فنياً، وكأن هناك من يرفض بقاءه، وهو ما قد يثير الضغينة بين زيزو والإدارة القائمة، ويفتح المجال لعودة فتنة كانت قد أغلقت بعد رحيل علاء عبدالصادق، الذى تمسك نائب الأهلى السابق ببقائه، ما فهمه البعض وقتها على أنه نكاية فى محمود طاهر وتدعيم لتدخل النائب فى شؤون الكرة.. فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
ملحوظة مهمة: منذ تم تعيين مجلس الإدارة الحالى واعتذار خمسة أعضاء حرصاً على المبادئ لم نسمع عن تسريبات أو جلسات مذاعة على الهواء. أما عن الزمالك فإننى سأكسر هذه المرة الحاجز الذى فرضته على نفسى منذ شهور بالتعفف عن نقده أو تحليل ما يدور داخله، باعتبار أن النقد يوجه لمن فيه أمل الإصلاح، أما من يستقوى بصوته ولسانه ولا يسمع إلا صوته فالأيام كفيلة بإصلاحه، والخسارة قادرة على تعليمه.
أولاً: مفتاح نجاح الزمالك فى الموسم الماضى هو المدرب العجوز المخضرم فيريرا، الذى أتمنى أن ينجح الأهلى فى التعاقد معه، فهذا الرجل كان يملك عمل الخلطة المناسبة والتوليفة الملائمة من إمكانيات لاعبى الزمالك وقدراتهم البدنية، ناهيك عن خبرته فى الإدارة الفنية للمباريات، فهذه هى الخسارة الأهم للزمالك هذا الموسم.
ثانياً: جهاز الزمالك الذى شاهدته فى مباراة القمة يمكن وصفه بـ«السمك المقلى على اللبن المغلى مع التمر الهندى المثلج»، ميدو وحازم إمام ومحمد صلاح وإسماعيل يوسف توليفة تحتاج وحدها إلى مدير فنى لإدارة عملها وتوظيفها، وللحق فإن كل واحد منهم له مميزاته وحسناته الكثيرة، ولكن وجودهم مع بعضهم البعض لا يمكن أن يفرز عملاً صحيحاً أو منظومة منضبطة، فاثنان منهم نجمان ثقيلان فى الوزن والقيمة والجماهيرية، والاثنان الآخران يبحثان عن دور لا يعلمانه، فإذا أضفنا إليهم أحمد مرتضى مشرفاً على الكرة، ومن فوقهم رئيس النادى برؤيته الفنية، فالأكيد أن الخسارة بهدفين فقط تعتبر فوزاً، وإنجازاً للاعبين الذين لم يفقدوا ثباتهم ويخسروا بالستة.
ثالثاً: لأسباب سأذكرها فى وقتها أرى أن قرار الإدارة بعودة شيكابالا ومحمد إبراهيم كان قراراً خاطئاً، خاصة أن الزمالك فاز فى غيابهم بالدورى والكأس بعد عشر سنوات من الجفاف، كان الاثنان خلالها بطلى ونجمى المرحلة.
رابعاً: لاشك أن المعارك التى خاضتها إدارة الزمالك دون داع حول مكان إقامة المباراة ورفضها اللعب على استاد برج العرب، ثم تراجعها، أثارت حالة من عدم الاستقرار والتوتر، فأغلب اللاعبين كانوا على يقين أن رغبة رئيس ناديهم ستلبيها الدولة، وأن كلمته مسموعة، ولا يملك أحد القدرة أو الإرادة على كسرها، أما وقد كسرت فهذا أحبط اللاعبين وجهازهم، وبلبل أفكارهم وشتتهم فى وقت كان فيه فريق الأهلى يستعد فى هدوء.
أخيراً، تبقى مباراة فاز بها الأهلى فأخرس الشامتين والطامعين والكارهين والمشتاقين إلى حين كبوة، وخسرها الزمالك ففتحت الجراح إلى حين عودة.