أثار خطاب السيد الرئيس الصريح إلى المصريين وملاحظاته التفصيلية إلى الحكومة أثناء القيام بافتتاح عدد من المشروعات، عند زيارة مدينة 6 أكتوبر منذ عدة أيام، تساؤلات عديدة أفترض أنها قد دارت فى ذهن الكثير من المواطنين أمثالى، وتتعلق بتوجيهاته إلى السادة الوزراء وأعضاء السلطة التنفيذية بأن يتحدثوا إلى الشعب المصرى بصراحة، شارحين له دقائق الوضع الاقتصادى وتحديات توفير الاحتياجات اليومية الأساسية للمواطن وتكلفتها الحقيقية على الدولة ومصادر تمويلها وأعباءها المتوقعة، واحتياج الرئيس إلى مخاطبة الحكومة، مطالبا أعضاءها بالحديث إلينا، ما يثير القلق لأن هذا هو المفترض أن تقوم به أى حكومة رشيدة دون الحاجة إلى توجيهات رئاسية تحثها على القيام بذلك، لأن ذلك ببساطة هو من صميم وظيفتها كحكومة الشعب الذى يجب أن تكاشفه بأهدافها وخطط عملها وماذا تفعل من أجله وما تحققه من إنجازات وما تواجهه من إخفاقات أو تحديات، فالحكومات الشرعية لا تعمل سرّا أو فى صمت يصل إلى السكون التام فى إطار مبدأ «دارى على شمعتك تقيد»، فالشعب المصرى هو شعبها الصبور، وإذا لم يفهم ويدرك تفاصيل ما تقوم به لصالحه ويقتنع به وبناء عليه يدعمها ويصبر عليها ويقدّر إنجازاتها ومحاولاتها فى هذا المسعى، فمعنى ذلك أنها ستعمل بلا ظهير شعبى يحمى ظهرها ويمنحها الشرعية.
وعليه فإننا نضم صوتنا إلى صوت سيادة الرئيس ونطالب الحكومة الموقرة، ليس فقط بالحديث إلينا، وإنما أيضا بالسعى الحثيث إلى الحصول على رضانا عن نتائج أعمالها، فنحن نحتاج حكومة ترانا مثلما نراها، تصارحنا بخططها حتى نحاسبها، حكومة ندعمها بقدر ما ترعى مصالحنا، نحترمها بقدر ما تكشف لنا أوراقها، نثق بها بمقدار ما تفتح لنا أضابيرها، حكومة يفتح لنا رئيس وزرائها قلبه ويشاركنا أحلامه ويستشيرنا فى همومه التى هى هموم الوطن، حكومة قنوات اتصالها مفتوحة وعباراتها واضحة ولغتها مفهومة، حكومة لا تخفى عنا شيئا وتواجهنا بالأخبار السيئة وتقترح علينا كيفية التغلب عليها، حكومة لا تتزين تصريحاتها دائما وأبدا بعبارة «بناء على توجيهات الرئيس» وكأنها لا تستطيع أن تتحرك لخدمة المواطنين من تلقاء نفسها، حكومة لا تنتظر توجيهات رئاسية لتتحدث إلى مواطنيها وتصارحهم كيف تؤدى عملها وتنفذ خططها على أرض الواقع ولا ينتظر وزراؤها ومحافظوها تعليمات الرئيس لتأدية واجباتهم التى تقع فى نطاق اختصاصاتهم الوظيفية.
والهاجس الحقيقى الذى ساور الكثيرين فى ضوء كلمات الرئيس يتمثل فى السؤال أعلاه، وهو: وماذا لو لم يتحدث الرئيس إلينا؟ هل نظل فى ظلام بشأن أرقام الحكومة، أم نعتمد على التخمينات والتكهنات لفهم خططها وبرامجها الزمنية ونفقاتها وميزانيتها؟ وهل من المفترض أن يطلب الرئيس من الحكومة التحلّى بالإفصاح والشفافية وشرح الأمور للمواطن المصرى، أم أن من واجباتها أن تقوم بذلك كجزء من مسؤوليتها المفترضة؟ وهل من المتصّور أنه من واجبات الشعب أن يناشد الحكومة أن تكاشفه بما تفعل حول شؤونه كجزء من «رعايتها لمصالحه رعاية كاملة» كما أقسموا اليمين؟ أليس من حق المواطنين فهم كيف تُتخذ القرارات خلف الأبواب المغلقة؟ وأليس من حقهم التيقن من أن تلك القرارات ستجعل الشعب المصرى أكثر ارتياحا وتفاؤلا وسعادة؟ أكيد يا حضرات كل ذلك من حقنا جميعا، وبينما نحن بالقطع نرحب دائما بحديث الرئيس إلينا كمواطنين، فإننا نأمل أيضا أن نسمع قريبا صوت حكومتنا الموقرة!