x

أنيسة عصام حسونة رأيى صواب لا يحتمل الخطأ! أنيسة عصام حسونة الأربعاء 30-12-2015 21:24


اعتاد المصريون سواء فى عصور الأزمات الفكرية أو المذهبية أو خلال أوقات الخلافات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أن ينبروا لمحاولة إثبات مدى تحضرهم وتفتح ذهنهم وقبولهم الاختلاف فى الرأى من خلال مداومتهم على استخدام مقولة الإمام الشافعى الشهيرة «رأيى صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيرى خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ» بوصفها قاعِدة أصولية عند الفقهاء تُستَخدمُ فيما يَحتمِلُّ الظنَّ مِن المسائل بعد أن يجتهد الفقيه فى البحث فى المسألة والنظر فى كافة الآراء الأخرى وأدلتها ومِن ثَمّ لا يرى إلا رأياً واحداً أقربُ للصواب مع قبوله لاحتمال الخطأ فيه تواضعا منه ودلالة على قبوله للاختلاف فى وجهات النظر، وبطبيعة الحال فإن هذه القاعدة يجوز استخدامها فى معظم مناحى الحياة التى يَغلبُ فيها الظنُّ فى تقدير الأمور فيما يتعلق بأمورالشأن العام المختلفة أو المناظرات الفكرية أو القضايا الخلافية سواء طرحت فى وسائل الإعلام المفتوحة أمام الجمهور أو تم نقاشها فى نطاق الغرف المغلقة بحضور الخبراء والمتخصصين، المهم فى نهاية الأمر أن التشدق بهذه العبارة التاريخية الشهيرة يتم بغرض الاستدلال بها على مدى احترامنا لحرية التعبير ودرجة أريحيتنا اللانهائية المتمثلة فى سماحنا للآخرين بإبداء آراء مخالفة لما نعتقده وبذلك نريح ضمائرنا ونتقن رسم الصورة المثالية التى نرغب أن يرانا الآخرون بها حتى وإن كانت مجرد واجهه تجميلية كاذبة.

ولكن ما نشاهده الآن على ساحة المشهد العام المصرى يثبت بما لا يدع مجالا للشك أننا قد أدخلنا تعديلا ذا مغزى على العبارة الشهيرة لنمنحها الختم المصرى الخاص بنا وبالتالى أصبحت النسخة الجديدة من تلك العبارة تقول «رأيى صواب لا يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يجانبه قطعا الصواب» ومن لا يصدق ذلك فليشاهد ما يجرى هذه الأيام على شاشات الفضائيات المتلألئة وفى اجتماعات الفنادق الفاخرة وعبر ردهات مجلس النواب العتيدة وما تتبادله كافة الأطراف من كلمات قاسية واتهامات جارحة الغرض الوحيد منها إحراز النقاط ضد بعضهم البعض أمام الرأى العام بإسلوب يتميز بالاستعلاء المريض بالمعرفة والغرور القاتل بالرأى والاعتقاد الجازم باحتكار الحقيقة دون إفساح المشهد لإتاحة الفرصة للآخرين ممن يخالفونهم فى الرأى للتعبير عن ذلك بل والتمادى فى ذلك لدرجة تصنيف مخالفيهم فى خانة الأعداء أو العملاء، ولكن يا سادتى ما هكذا تدار الأمور لو رغبنا فى النجاح فى العيش معا فى هذا الوطن الذى نتشاركه جميعا.

ناهيك عن أن هذه الصورة السلبية التى يتباهى البعض بأنهم نجومها الساطعة ذات الباع فى الإرهاب الفكرى والمعنوى ليست هى ما نرغب فى نقله إلى عقول الأجيال الصغيرة المتفتحة التى نظلمها بتصدير خلافاتنا الذاتية الدوافع إليها مرسخين فى أذهانهم أن التمسك بالرأى ولو خطأ هو دليل على القوة بدلا من أن يكون دليلا على ضآلة المعرفة وضعف الحجة وخشية المواجهة الموضوعية سعيا للوصول إلى الحقيقة، بل على العكس فإننا نعلّمهم ألا يحتاجوا للآخرين بما أنهم وحدهم الناجحون محتكرو الرأى الصواب بينما الآخرون مجرد فاشلين خاسرين ما داموا لا يعترفون بصواب رؤيتنا ولو كانت تجافى المنطق والعقلانية، فإلى أين سيقودنا ذلك يا ترى؟ إلى مصير محتوم من الفشل لا محالة تتضخم فيه ذواتنا الشخصية متغطرسين بحكمتنا الجوفاء ونفاد بصيرتنا العمياء غير عابئين بإثبات قدرتنا على النجاح بقدر انشغالنا بإثبات فشل الآخرون بينما فى تلك الأثناء يسقطنا جميعا من اعتباره المواطن الذى ندعى سعينا لخدمته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية