أثار انتباهى تعبير «المدرجات حزينة»، الذى أطلقه المعلق الرياضى لمباراة الأهلى والزمالك، أمس الأول، على قناة النيل الرياضية، فى إشارة إلى فراغ مدرجات استاد برج العرب، الذى يسع لعدد 86 ألف متفرج، لدواعى الأمن الممتدة على مدى خمس سنوات، وبدأت عامها السادس.
بالتأكيد هى قضية عبثية، تلك التى تمتد كأزمة، كل هذه السنوات، دون حلول سريعة، تأخذ فى الاعتبار كل العوامل المحيطة بها، بدءاً من تأثير ذلك على دخل الأندية، حتى إظهار الدولة بمظهر العاجز، مروراً بحرمان جماهير الكرة من الاستمتاع بمشاهدة هذه المباريات على الطبيعة، ومؤازرة أنديتهم فى الوقت نفسه.
هذه الحالة تشير طوال الوقت إلى أننا نعيش كابوس ما بعد 25 يناير 2011، أو أن ذلك التاريخ فى حد ذاته كان كابوساً لا يريد أن يفارقنا، هو لم يكتفِ بالأرواح التى حصدها فى الشوارع والميادين، وإنما امتد أثره إلى الملاعب الرياضية، من القاهرة إلى بورسعيد، وما خفى كان أعظم.
ربما كانت هذه الرسالة هى سر الإصرار على استمرار هذا الوضع، وربما كان الأمن لدينا يرى أنه من الضعف، لدرجة تصعب أو تستحيل معها السيطرة على جماهير الكرة، وكأن هذه الجماهير مسجلون خطرون فى دفاتر وزارة الداخلية، أو ربما كانت الدولة تُريح نفسها من عناء متابعة التجمعات البشرية أياً كانت، حتى لو كانت رياضية، وبالتالى فسوف تندرج مثل هذه التجمعات تحت بند أو قانون التظاهر، الذى يعاقب المخالفين بالسجن.
أعتقد أنه من المهم جداً التأكيد على أن الدولة الرسمية بأجهزتها الأمنية والسيادية- ولثقتنا فى قدراتها- تعى وتدرك وتعرف جيداً الفاعل الأصلى، أو الجانى الحقيقى، فى كل جناية بحجم مذبحة استاد بورسعيد، التى ذهب ضحيتها 72 شخصاً من جماهير النادى الأهلى، أو استاد الدفاع الجوى على السواء، والتى ذهب ضحيتها 22 شخصاً من جماهير نادى الزمالك، وإلا فإن هذه الأجهزة على قدر من الفشل يستدعى إعادة صياغتها من جديد.
وما أود التأكيد عليه بصفة شخصية هو أن جماهير الكرة لا يمكن بأى حال أن تكون مجموعات من البلطجية أو القتَلة، هم فقط متحمسون لأنديتهم، منحازون لوطنهم، وإلا ما كانت وما تكون هذه المؤازرة واسعة النطاق للمنتخبات الوطنية داخل وخارج مصر، وعلى نفقاتهم الخاصة، وهو ما يؤكد أن القاتل أو الفوضوى فى كل وقائع العنف داخل الاستادات الرياضية لم يكن ولن يكون أبداً من بين الجماهير، ولذا كان على الأجهزة الأمنية تقديم الفاعل فوراً إلى محاكمة عاجلة، إيذانا بعودة الجماهير إلى المدرجات.
وحتى نكون مُنصفين، فقد تم استخدام تلك الروابط الرياضية، للقيام بدور ما فى الميادين، خلال الأسابيع والشهور التى أعقبت أحداث 2011، وهو ما جعلها تحت المجهر طوال الوقت، بل هو ما جعل منها خصماً للبعض، وعدواً للبعض الآخر، إلا أن ما هو مؤكد أيضاً أن هذه الروابط تستطيع تأمين وحماية مباريات أنديتها، دون حاجة إلى حماية من الأجهزة الأمنية أو الشرطية، خاصة فى ظل وجود ثأر من نوع ما، أو عداوة من نوع ما، مع هذه الأجهزة.
إلا أننا لو انتظرنا التوفيق بين هؤلاء وأولئك، أو انتظرنا تسوية نزاعات الثأر هذه، فإننا سوف ننتظر إلى ما لا نهاية له، كما هو حال الخصوم فى صعيد مصر، وهو ما كان يتحتم معه البحث عن طرق فاعلة لعودة الجماهير إلى المدرجات، لما فيه صالح الأمن العام، وصالح النشاط الرياضى، وصالح الاقتصاد الرياضى، والإعلانى والإعلامى، وصالح الرسالة السياحية، والاستثمارية، والاجتماعية بشكل عام.
على أى حال، أعتقد أن الرياضة المصرية قد خسرت كثيراً خلال الأعوام الخمسة الماضية، داخلياً وخارجياً، بغياب الجماهير، ونفس الحال مع كل الأنشطة المتعلقة بهذا المجال، وما أكثرها، وهو الأمر الذى يتطلب العدول السريع عن قرار المنع، وليتحمل كل نادٍ مسؤولية قراره، وكيفية تأمين ملاعبه، دون تدخل مركزى من الدولة، وحين ذلك سوف يكون الصراع بين الأندية- ومعها جماهيرها- على أيها أكثر نجاحاً فى التنظيم، وأيها أكثر تأمينا لفعالياته، سواء بالجهد الذاتى عن طريق الروابط الرياضية، أو عن طريق شركات الأمن الخاصة، وحين ذلك يمكن أن نعيد للمدرجات ابتسامتها، بل لمصر كلها.