الفتنة الطائفية أصبحت حرباً برية، هو أبسط توصيف لما يُحاك بالمنطقة الآن بفعل قياداتها، البداية كانت فتنة، سُنّية، شيعية، علوية، بوشاية أمريكية، قبل أن تمنح تفويضاً لروسيا بدخول المعترك، ليس لإنهاء الأزمة، أو الوساطة فيها، وإنما لإطالة أمدها، حتى لا يصبح هناك غالب أو مغلوب، عشرات، ومئات، وآلاف الطلعات الجوية، من أقوى جيوش العالم، استهدفت جيشاً غير نظامى، يتكون من بضعة آلاف فى تنظيم ما تسمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ولم يتراجع التنظيم عن التمدد الجغرافى يوماً ما، سواء فى الأراضى السورية أو العراقية.
التنظيم المستهدف هو فى الأصل صناعة أمريكية، بتمويل خليجى واضح ومعروف، الآن يجب أن نُصدق أن الصُناع والممولين معاً يحاربون ذلك الابن الضال، يجب أن نصدق أن السحر انقلب على الساحر، يجب أن نصدق أن الهدف من كل ذلك القصف هو القضاء على داعش، كما يجب أن نصدق أيضاً أن ذلك هو الهدف من التدخل الروسى بالقصف.
الجديد الآن هو ما أعلنه مسؤول سعودى عن استعداد بلاده للتدخل العسكرى البرى فى سوريا، بعد ذلك ما أعلنته قناة CNN الأمريكية، نقلاً عن مصادر سعودية، عن خطة تدريب تشمل نحو ١٥٠ ألف جندى معظمهم سعوديون، إضافة إلى قوات مصرية وسودانية وأردنية، داخل السعودية حالياً، تمهيداً لدخول سوريا عبر الأراضى التركية، لقتال ذلك التنظيم المثير للجدل، هذا بخلاف قوات أخرى سوف تشارك فى تلك الحرب البرية، من كل من المغرب، والكويت، والبحرين، والإمارات، وقطر، وكذلك من ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناى، وهى الأنباء التى رد عليها وليد المعلم، وزير الخارجية السورى بقوله: كلهم سوف يعودون جثثاً فى صناديق خشبية.
صناعة ذلك التنظيم السُنى الذى يضم مقاتلين من نحو ٤٠ دولة، من بينها دول أوروبية، كانت تستهدف التصدى لقوات بشار الأسد العلوية، ومحاربة إيرانيين شيعة، ولبنانيين من أتباع حزب الله، ما الذى حدث حتى ينقلب السحر على الساحر، لا جديد، التنظيم لم يُقصِّر فى تنفيذ المهمة، الحرب تستعر فى كل مكان على الأراضى السورية، الدمار لَحِق بثلثى الخريطة هناك، كل ما هنالك أنه قد طال أمد المواجهات، وبينما كانت تتجه أخيراً إلى الحسم لصالح داعش، وغيرها من فصائل المعارضة، دخلت قوات الجو الروسية، لتعيد التوازن على الأرض من جديد، وقد كان، الآن أصبحت الكفة تميل لصالح النظام بعد حصار حلب وبوادر استعادتها، وبدء تهجير نصف مليون مواطن.
كان لابد من تدخل جديد، تدخل برى عربى هذه المرّة، بمباركة أمريكية أيضاً، فلم تعد أمريكا، بعد أزماتها فى العراق وأفغانستان، تُحبذ إرسال قواتها هنا أو هناك، أصبحت تمنح الآخرين تفويضاً مفتوحاً، هى تمدهم بالسلاح الذى لا يصنع انتصاراً، كما فى اليمن، وبالمعلومات التى لا تحسم حرباً، كما هو الحال فى سوريا، أصبحت تتابع الموقف عن بُعد، مصانع السلاح الأمريكية كانت تعمل بكامل طاقتها خلال ٢٠١٥، البطالة خلال يناير الماضى كانت هى الأدنى على الإطلاق فى الولايات المتحدة خلال ثمانى سنوات مضت، النفط الصخرى المكتشف هناك جعلها تقوم بالتصدير، لم تعد تعنيها قلاقل المنطقة كثيراً.
الجديد هو الانخفاض الحاد فى أسعار النفط، لن يستطيع الخليجيون استمرار الإنفاق على الحرب سنوات أخرى، هم يريدون الحسم مع إيران، التى خرجت أخيراً من وطأة حصار قاسٍ، بدأت هى الأخرى تصدير النفط، وبدأت فى استعادة أموالها المصادرة، القلاقل والتفجيرات بدأت أيضاً تفعل أفاعيلها فى الأراضى التركية المتاخمة، أردوغان تركيا يريد الحسم، المواجهة واضحة سُنية- شيعية، إيران وحزب الله والنظام السورى فى جانب، والآخرون فى جانب.
الأسئلة التى تطرح نفسها هى: ما هو موقف الطيران الروسى حينما تميل الكفة لغير صالح قوات الأسد، وما هو موقف إسرائيل حينما تجد كل هذه القوات العربية على حدودها، وما هو موقف الجنود الشيعة المشاركين ضمن القوات العربية والتركية، وما هو موقف النظام الشيعى فى العراق، وما هو موقف الأسطول الأمريكى فى المنطقة حال تعرضه لأى نيران صديقة، بهدف خلط الأوراق.
على أى حال، يمكن القول إن التاريخ سوف يذكر أنه رغم استمرار العدو الصهيونى ينعم باحتلال أولى القبلتين، وثالث الحرمين، فى غياب أى مقاومة عربية، فإن وطناً يُسمى سوريا، كان يمثل إشعاعاً ثقافياً وحضارياً إسلامياً يوماً ما، تم محوه من الخريطة وتقسيمه، لأسباب طائفية، بفعل أموال العرب وخيانتهم التاريخية، إلا أن المؤكد أن سوريا ليست النهاية، وما ذلك التدخل البرى العربى إلا تعجيل بتلك النهاية الدرامية، التى لن يسلم منها كل المتآمرين.