يبدو أن الدبلوماسية المصرية قد وجدت نفسها، وفى ضوء مقدمات كثيرة، بين مطرقة دولة الإمارات، وسندان المملكة السعودية، فيما يتعلق بالعلاقات المصرية- الإيرانية، أو المصرية- التركية، أو حتى المصرية- السورية، والمصرية- اليمنية، وقد جاءت تصريحات السفير الإماراتى بالولايات المتحدة، يوسف العتيبة، لتؤكد ذلك، حيث شن هجوماً عنيفاً على تركيا، وتطلع فى الوقت نفسه إلى علاقات قوية لبلاده مع إيران، فى الوقت الذى تقاوم فيه السعودية أى نفوذ إيرانى فى المنطقة، بل ودشنت فى سبيل ذلك، مؤخراً، مجلس تعاون استراتيجى مع تركيا.
الفجوة الواسعة، فى وجهتى النظر السعودية والإماراتية، تجاه كل من إيران وتركيا، ألقت بظلالها، سلباً، على علاقات مصر بكل من طهران وأنقرة، على الرغم من المحاولات السعودية لإصلاح علاقات مصر مع أنقرة، والمحاولات الإماراتية لإصلاحها مع طهران، إلا أنه بات من الواضح أن أى تقدم فى العلاقات المصرية- الإيرانية سوف يُعد خصماً من رصيد العلاقات المصرية- السعودية، ونفس الحال مع الإمارات، فى حال أى تقدم فى العلاقات المصرية- التركية، وهو ما جعل أحد الصحفيين الأتراك البارزين يكتب مؤكداً أن تطور العلاقات المصرية مع بلاده يبدأ من الإمارات.
السعودية تخشى من المد الشيعى الداخلى لديها، وفى المنطقة ككل، وهو ما تراه الخطر الأكبر عليها، وعلى نظام حكم آل سعود تحديداً، ومن هنا تأتى المواجهة مع إيران، التى تعتبر نفسها قبلة الشيعة، أو مرجعيتهم فى المنطقة، أو بالأحرى فى العالم، أما الإمارات فإنها ترى أن الخطر الأكبر يتمثل فى هيمنة الإخوان المسلمين على أنظمة الحكم بالمنطقة، وأن أى مد إسلامى سُنى يمثل خطراً على نظام الحكم فيها، حيث ينظر بعض الإسلاميين إلى الحالة الإماراتية كحالة نشاز خارجة عن قواعد الإسلام، بنشر البغاء، والتشجيع على العرى، إلى غير ذلك من الاتهامات.
على الرغم من تباين الموقفين، السعودى والإماراتى، إلى هذا الحد، إلا أن علاقاتهما ظلت دون أزمات معلنة، لسبب بسيط، وهو أن السعوديين استطاعوا استدراج الإماراتيين معهم عسكرياً إلى مواجهة الحوثيين فى اليمن، وفى المواجهة مع العلويين فى سوريا، وقبل ذلك فى الموقف من قطر، وسحب السفراء من الدوحة ذات يوم، بمشاركة مملكة البحرين، ناهيك عن أن السعودية تدرك إلى أى حد يصل اعتماد الإماراتيين على التجارة مع إيران، وعلى العمالة الإيرانية هناك، بمختلف إمارات دولة الاتحاد، وبصفة خاصة فى إمارة دُبى، وخطورة معاداة إيران على أمن الإمارات فى الداخل، وذلك على الرغم من سيطرة إيران على الجزر الثلاث، طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبوموسى، والتى تؤكد كل البيانات الختامية لاجتماعات قادة مجلس التعاون أنها جزر إماراتية محتلة، دون أن تأبه إيران لذلك ذات يوم.
وقد اعتاد الخليجيون التعبير عن مواقف بلادهم، تجاه بعضهم البعض، ليس من خلال بيانات رسمية، وإنما بتصريحات لدبلوماسيين، أو أكاديميين، من خلال محاضرات، كما هو حال تصريح العتيبة، أو مواقع التواصل الاجتماعى، التى انتقد من خلالها الدبلوماسى القطرى، ناصر بن حمد الخليفة، السفير الإماراتى قائلاً: «متى تتوقف عن طعن تركيا وحقها فى حماية وحدتها وأمنها، وتركز على أمن بلدك وحمايته من إيران التى تحتل جزرك؟»، وبنفس الطريقة شن عبدالخالق عبدالله، الأكاديمى الإماراتى، ومستشار ولى عهد أبوظبى، هجوماً حاداً على إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجى السعودى- التركى، الذى ما لبث أن تطور إلى تحالف آخر استراتيجى بين تركيا وقطر، رحبت به السعودية، وامتعضت منه الإمارات.
على أى حال، ما يهمنا فى هذا المضمار هو الإجابة عن السؤال التالى: على الرغم من استياء الإيرانيين من الموقف المصرى تجاههم، نحو عدم تيسير زياراتهم لأضرحة الأولياء وآل البيت، وعلى الرغم من الموقف التركى تجاه الشأن السياسى المصرى الداخلى، وتأييدهم المطلق لجماعة الإخوان المسلمين، هل يمكن أن تشهد الأسابيع، أو حتى الشهور القليلة المقبلة، تقارباً مصرياً- إيرانياً، ومصرياً -تركياً، بمنأى عن المطرقة الإماراتية، والسندان السعودى، لما فيه مصلحة الشعوب، أم أن الوهن المصرى، أمام الدعم المادى والنفطى، سوف يستمر حتى المستنقع البرى السورى؟