من بعد طول انتظار، ولدت الديانة المسيحية من رحم الحلم اليهودى المستحيل: مجىء المخلص «الماشيح، المسيح».. ولأن أورشليم، بيت همقداش «بيت المقدس» كانت لاتزال قائمة فى الوقت الذى من المفترض أن المسيح «يسوع» ظهر فيه، إذ كان مولده، بحسب ما استقرت عليه معظم الكنائس، قبل مولده بأربعة أعوام. ولذلك يقال إن ميلاد المسيح كان فى السنة الرابعة قبل ميلاد المسيح! وهذا بسبب اضطراب الروايات والتواريخ، على النحو الذى يضيق المقام هنا عن بيانه وتفصيل مشكلاته.
وخلال القرن الأول «الميلادى» لم تكن هناك صورة واحدة محددة للديانة، نظراً لكثرة الأناجيل «البشارات» التى تروى وقائع حياة المسيح «اليهودى» الذى لم يعترف به اليهود، قط، كمسيح أو مخلص مُنتظر.. وفى القرن الثانى الميلادى كثرت الأناجيل حتى بلغت قرابة الثلاثين، وتفاوتت فيما بينها صورة المسيح ما بين: الله وقد تجسد بكامله، ابن الإنسان الذى ظهر من خلاله الوجود الإلهى بتمامه، النبى المرسل من الله.. وفى القرن الثالث الهجرى، قام «آباء الكنيسة الكبار» لاسيما الإسكندرانيون منهم، بتحديد ملامح العقيدة الأرثوذكسية «القويمة» وعدوا ما عداها هرطقات «أى خروج عن إطار الإيمان القويم».. وبدأت التفرقة، والعداوة بين المؤمنين بالدين المسيحى واليهود الذين أسلموا المسيح للرومان كى يتخلصوا منه، فصلبوه حسبما يعتقد المسيحيون أو «شُـبّه لهم» حسبما سيقول الإسلام من بعد.. وكانت مدينة أورشليم «القدس، بيت همقداش» آنذاك قد صارت خبراً قديماً، من بعد قيام القائد الرومانى «تيطوس» بتدميرها سنة 70 ميلادية، ثم قيام إيليانوس هادريانوس بمحو آثارها من فوق الأرض وبناء مدينة جديدة مكانها أو بالقرب من موضعها، وحظر على اليهود سكنى المدينة الجديدة: إيليا «بالنطق العربى: إيلياء».
وفى القرن الرابع الميلادى، فى الربع الأول منه، كانت مدينة الله العظمى «الإسكندرية» تحمل لواء الدفاع عن الدين والعقيدة القويمة، وكان الأسقف العام بها: الكسندروس. وهو آنذاك رأس الكنيسة ورئيسها، أى البابا أو البطريرك «أبو الآباء، البطريق، البطرك» يشعر فى قرارة نفسه بأنه المختار من الله لحفظ العقيدة الأرثوذكسية أو الإيمان القويم، ومن هنا تصدى بقوة لآراء القس «آريوس» الذى قال إن المسيح ليس هو الله، وإنما هو ابنه بالتبنى! بينما ترى كنيسة الإسكندرية وسائر الكنائس فى مدن الله العظمى «روما، أنطاكية، كبادوكيا» أن اللاهوت لم يفارق الناسوت فى المسيح طرفة عين.
وعلى الصعيد السياسى العام، فى هذه الفترة، كان الإمبراطور الرومانى قسطنطينوس = قسطنطين «الكبير» يحارب رفقاء سلاحه السابقين لتوحيد الإمبراطورية تحت زعامته، فاندلعت حروب طاحنة من سنة 317 إلى سنة 324 ميلادية، انتهت بامتلاك قسطنطين الزمام، كحاكم أوحد.. وكان هذا الرجل أصلاً من بلدة «الرها» العراقية، وقيل إنه ابن لأحد الملوك، وقيل إن أباه غير معروف لأن أمه كانت تعمل ساقية فى مواخير الرها، وعرفت رجالاً كثيرين «كان اسمها: هيلانة».. وكان المسيحيون آنذاك قد تكاثروا نسبياً، فصار عددهم حسبما يقول المؤرخون عشرة بالمائة من سكان الإمبراطورية الرومانية، على الرغم من العنت والتعذيب الذى مارسه الأباطرة ضد هذه الديانة الجديدة المرتبطة فى أذهانهم باليهودية.. «راجع فى ذلك، ول ديورانت: قصة الحضارة، عصر المسيح».
وتعاطف قسطنطين مع المسيحيين، وأصدر مرسوماً بالسماح لهم بأن يمارسوا عبادتهم بحرية، ضمن الديانات الأخرى المعترف بها فى الإمبراطورية «مرسوم ميلانو»، وآمنت أمه هيلانة بالديانة المسيحية. حسبما يقال. ومن هنا، تدخل الإمبراطور قسطنطين لحسم الخلاف بين أسقف الإسكندرية «البابا ألكسندروس» والقس المنشق، الهرطوقى «آريوس»، ورَأَسَ أول اجتماع دولى لرؤساء الكنائس سنة 325 ميلادية، وهو المجمع المسكونى الذى انعقد ببلدة «نيقية» القريبة من المدينة الجديدة التى كان الإمبراطور يقوم بإنشائها لتكون عاصمة مُلكه (القسطنطينية) وما كان بناؤها قد انتهى بعد. وفى هذا الاجتماع انتصر الحاضرون لرأى الإسكندرية وأسقفها العام، وطُرد «آريوس» من حظيرة الإيمان فمات كمداً، أو تم اغتياله بالسم الزعاف.. «راجع فى ذلك رأفت عبدالحميد: اغتيال آريوس».
وفى هذا المجمع المسكونى، تم اعتماد الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم «متاؤس، مرقس، لوقا، يوحنا»، فقط، وحظر الأناجيل الأخرى: «إنجيل المصريين، إنجيل العذراء، أناجيل الطفولة، الأناجيل الغنوصية، إنجيل توما... إلخ» وُعدت هذه من يومها بمثابة نصوص غير قانونية وغير معترف بها وغير معتمدة، أو بحسب الاصطلاح العبرى/ اليهودى القديم: أبوكريفا.. وتم السماح الإمبراطورى لحراس العقيدة وآباء الكنائس، والتصريح لهم بمداهمة البيوت لضبط هذه الأناجيل الأبوكريفية، وحرقها، ومعاقبة مالكيها، كان ذلك سنة 331 ميلادية.
وفى تلك الأثناء، تم إضفاء القداسة على مدينة «إيليا» وتحويلها من بلدة رومانية إلى عاصمة للمسيحية، إذ دعا أسقف إيليا «مكاريوس» الإمبراطور قسطنطين، أثناء انعقاد مجمع نيقية، إلى تدمير المعبد الوثنى الذى بناه «هادريان» فوق جبل الجمجمة «الجُلجُلة، الجلجثة»، للبحث تحت أنقاضه عن قبر المسيح. فقامت أم الإمبراطور التى سوف تُعرف لاحقاً باسم «القديسة هيلانة» بعمليات تنقيب للبحث عن الموضع الذى صُـلب فيه المسيح، والخشبة التى صُـلب عليها «صليب الصلبوت» والقبر الذى دفن فيه ثلاثة أيام قبل أن يقوم من موته ويصعد إلى السماء.. وقد وجدت هيلانة ذلك كله مطموراً تحت ركام من القمامة، وتحت حطام المعبد الوثنى الذى كان «هادريان» قد أقامه تقديساً للربة فينوس/ عشتار. وهنا تحمست هيلانة، أم الإمبراطور، فقامت بتنظيف المكان وإقامة «كنيسة» فوقه، هى التى ستعرف عند المسيحيين بكنيسة القيامة وعند اليهود والمسلمين من بعد باسم: كنيسة القيامة.. وقد ظلت هذه الكنيسة هى أعظم الكنائس وأكثرها قداسة، وكانت الأكبر حجماً فى العالم حتى تم بناء كنيسة آياصوفيا فى المدينة/ العاصة التى بناها قسطنطين: القسطنطينة «إسطنبول، إسلامبول» فى فترة لاحقة، وفى فترة تالية سيطر عليها المسلمون العثمانيون وحولوها إلى مسجد جامع.. وفى زماننا هذا صارت متحفاً يُزار من السائحين ولا يقصده مصلُّون.
ومع مرور الوقت، احتلت كنيسة القيامة مكانة كبيرة فى نفوس أهل الديانة المسيحية على اختلاف مذاهبها، وصارت مقصداً يحجُّ إليه كل قادرٍ من المؤمنين بالمسيحية، وكل من استطاع منهم إلى ذلك سبيلاً.
***
على هذا النحو السابق، وعلى المنوال ذاته الذى دعا سليمان «الملك اليهودى» لبناء الهيكل ودعا حيرود «هيرودس» لتوسعة هذا المعبد، قام قسطنطين باسترضاء رعاياه من المسيحيين بالسماح لهم بممارسة شعائر ديانتهم علانية، وقام بنفسه برئاسة المجمع الكنسى «نيقية 325 ميلادية»، حيث دارت المناقشات باللغة اليونانية التى لم يكن يعرفها لأن لغته الوحيدة كانت اللاتينية، وقام عن طريق أمه هيلانة «القديسة» ببناء كنيسة القيامة فوق القبر المقدس للمسيح. حتى إن كثيرين من مؤرخى الكنيسة أكدوا أنه آمن بالديانة المسيحية، وزعم بعضهم أنه أعلن إيمانه بها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة! مع أن المعروف تاريخياً أن هذا الإمبراطور عاش حياته وثنياً، ومات وفى قصره ما لا حصر له فى تماثيل الآلهة، لكن الاستعمال السياسى للديانة أوجب عليه الأعمال التى أثلجت صدر المؤمنين بالمسيحية فدانوا له بالولاء ولقبوه بألقاب دينية، ورفعوا أمه إلى مرتبة القديسين.
وعلى هذا النحو السابق، اكتست مدينة «إيليا» بالقداسة مجدداً، فصارت عند المسيحيين مقصداً للحج من أنحاء الإمبراطورية التى اعترفت رسمياً بديانتهم كإحدى الديانات المعترف بها آنذاك. وقد أدى ذلك إلى انتشار المسيحية ودخول الناس فيها أفواجاً، وما لبث الحال طويلاً حتى تطور فصارت المسيحية بعد ستين سنة هى الديانة الأوسع انتشاراً، مما دعا الإمبراطور «ثيودوسيوس الأول» لإصدار مرسوم سنة 391 ميلادية، يقضى صراحة بأن المسيحية «دون غيرها» هى الديانة الرسمية للإمبراطورية، وهو المرسوم الذى احتفل به عوام المسيحيين آنذاك، فقاموا بالهجوم البربرى على أهم مركز علمى ومعرفى فى الإسكندرية، وفى العالم القديم كله، وهو المعهد العلمى «الموسيون» والمكتبة الشهيرة، فجعلوا كليهما من يومها أطلالاً تلوح فى وجدان الإنسانية، مثلما يلوح باقى الوشم فى ظاهر اليد.. وبعد سنوات قليلة، وفى زمن حكم الإمبراطور «ثيودوسيوس الثانى» قام عوام المسيحيين بقتل «هيباتيا»، عالمة الفلك والرياضيات، بعد سحلها فى شوارع الإسكندرية وتقشير جلدها عن لحمها (وقعت هذه المأساةُ سنة 415 ميلادية) فأظلمت الدنيا واندثر العلم خلال القرون الخمسة التالية، فلم يلمع اسم عالم واحد شهير طيلة ردحٍ طويل من الزمان، حتى بزغ نجم العلماء العرب المسلمين فى القرن الثالث الهجرى= التاسع الميلادى.
ومع مرور الأيام تكاثفت قداسة إيليا «إيلياء» وكنيسة القيامة فى قلوب المسيحيين، لكنها أثارت حنق اليهود فسموها «كنيسة القمامة» لاسيما أن المسيحيين كانوا يكيدون لليهود ويمنعونهم من سكنى المدينة (المقدسة مسيحياً، وكانت من قبل عدة قرون مقدسة يهودياً) ويكايدونهم بإلقاء القمامة «الزبالة» على الموضع الوحيد الباقى من أورشليم المندثرة، وهو الصخرة والجدار القصير الباقى من الزمن اليهودى الغابر: حائط المبكى «المسمى لاحقاً عند المسلمين: حائط البراق».. وفى غمرة هذا العنت المسيحى ضد اليهود، لم يبق أمام المغلوبين على أمرهم «اليهود، الهود، المتهوّدين» إلا التناثر بالسكنى حول المدينة، والتوجه إليها بالهمة عند الصلاة، أى اعتبارها قبلةً لهم، أياً كان موضع الصلاة والمصلِّى فى العالم. وهو نوع من الإحياء المجازى لذكرى أورشليم «بيت همقداش» ومحاولة لاستبقاء حلم الرجوع إليها وإعادة المجد اليهودى القديم الذى يتوهمونه ويبالغون فى تضخيمه كلما تدهورت بهم الأحوال، مثلما يفعل المقهورون عادة.. أعنى: ينتصرون على الواقع باللغة، وبالأحلام.
وفى السنوات الأولى لظهور الإسلام فى مكة وقبل انتقال النبى إلى المدينة، وبالتحديد سنة 621 ميلادية «السنة الأولى، قبل الهجرة» اجتاح الساسانيون «الفرس» المناطق المسماة اليوم: الشام وفلسطين، واحتلوا مصر، بعدما انهزم أمامهم المسيحيون «الروم» فاستطاعوا السيطرة على «إيليا» وعلى كنيستها «القيامة، القمامة» وأخذوا من هناك قطعة الخشب المسماة صليب الصلبوت، التى اكتشفتها هيلانة «القديسة» قبل ثلاثة قرون من الزمان، وذهبوا بها إلى عاصمتهم «المدائن».. وبطبيعة الحال، انخلع قلب المسيحيين فى أنحاء الأرض وتعالى بكاؤهم على إيلياء الأسيرة والكنيسة الجريحة، مثلما يتعالى اليوم بكاؤنا على القدس الأسير والأقصى الجريح، أو القدس الجريح والأقصى الأسير. وقد أشار القرآن الكريم إلى واقعة احتلال الفرس «الوثنيين، المجوس، عبدة النار، الثنوية» أرض الروم المسيحيين، فى السورة القرآنية التى سميت «الروم» وتقول آياتها الأولى: «غُلبت الروم فى أدنى الأرض».. «لاحظ هنا الوصف القرآنى لمنطقة فلسطين والشام بالأدنى من الأرض، وليس الأقصى!».
وبعد ثمانية أعوام، عادت الغلبة للروم على الفرس بقيادة الإمبراطور «هرقل» الذى استعاد من المدائن صليب الصلبوت، وعاد به إلى إيلياء منتصراً، وخفقت قلوب المسيحيين فرحاً فى أنحاء العالم. وأيامها، انعقد بهذه المناسبة اجتماع بين الإمبراطور والأساقفة، فى إيلياء، فأكدوا له أن سبب الهزيمة قبل سنوات كان تعاون اليهود مع الفرس، وأقنعوه بأن الديانة اليهودية قد نُسخت بالمسيحية بعد ظهور المخلص «يسوع» ولا معنى لوجود يهود بعد ظهور المسيح بقرون! فسمح لهم بتطبيق هذا الحكم الشرعى الجائر: إما أن يعلن اليهودى إيمانه بالمسيحية وتخليه عن اليهودية، أو يُقتل.. فوقعت فى أنحاء العالم القديم مقتلة «مذبحة» مهولة، راح ضحيتها عشرات الآلاف، وقيل: بل مئات الآلاف من اليهود المتمسكين بدينهم.
وقد تزامنت مع هذه المذبحة اليهودية على يد المسيحيين حروب النبى «صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً»، ضد يهود يثرب «المدينة المنورة»، ويهود خيبر من بعدهم.. فكانت المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التى يُقتل فيها الناس زرافات وجماعات، على أساس عقيدتهم الدينية، بدأ ذلك على يد المؤمنين بديانة المحبة والتسامح، المسيحيين التابعين ليسوع «اليهودى» الذى قال: أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى الذين يبغضونكم.
***
وعندما اتسع بسرعة نطاق الدولة الإسلامية، بسبب اهتراء دولتى الفرس والروم والإنهاك الكبير الذى حل بجيوشهما من بعد استدامة الحروب بينهما، لم يكن العرب يعرفون أو يتداولون فيما بنيهم اسم أورشليم، أو الوصف العبرانى القديم لها: بيت همقداش «بيت المقدس، القدس»، وإنما كان المعروف عندهم آنذاك هو الاسم المشهورة به المدينة المقدسة المسيحية: إيلياء.. التى يحكمها ويتولى أمورها رجل دين: أسقف.
وكانت هناك مدينة أخرى أصغر تشبه «إيلياء» فى وضعها الدينى والسياسى هى بلدة «إيلة» المسماة اليوم باسمها العبرى الأول: إيلات، وكان النبى قد صالح بنفسه أسقف إيلة وفرض عليها جزية مخففة ومنح أهلها وحاكمها أماناً مكتوباً، يمكن أن نقرأ نصه فى معظم كتب التاريخ الإسلامى التى أرخت للفتوح وانتشار دولة الإسلام. وفى تلك الكتب أيضاً ورد أن أسقف إيلياء الحاكم للمدينة اشترط لتسليمها للمسلمين أن يحضر أميرهم ويمنحها عهد أمان، ربما أسوة بما جرى قبل أعوام فى إيلة.. وهكذا حضر الخليفة عمر بن الخطاب وتسلم بنفسه مدينة إيلياء ومنحها عهد الأمان الذى نختتم به هذه المقالة، مع إشارةٍ إلى أن نصه الوارد فيما يلى ثابتٌ بحروفه فى تاريخ الطبرى، وإشارةٍ أخرى إلى أن المدينة مذكورة فيه باسمها «إيلياء» ست مرات لم تتضمن أى ذكر، من قريب أو بعيد، لاسمها الغابر غير المعروف آنذاك «أورشليم»، وإشارةٍ أخيرة إلى أن صور هذه «العُهدة» الموجودة اليوم على الإنترنت فى «جوجل» وغيره، جميعها مزيفة.. تقول العهدة العمرية:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدالله أمير المؤمنين عمر أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم سقيمها وبريئها، أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حدها، ولا من صلبانهم، ولا شىء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، على أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم، فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويُخلى بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أرضه، فإنه لا يؤخذ منه شىء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما فى هذا الكتاب، عهد الله وذمته، وذمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين. شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبى سفيان. كتب وحضر سنة خمس عشرة (هجرية).