x

حسن حنفي «الدين والسياسة» والمعيار المزدوج حسن حنفي الأربعاء 18-11-2015 21:19


ما زال الموضوع (القديم- الجديد) يتردد باستمرار: ما العلاقة بين الدين والسياسة؟ الجماعات الدينية تؤكد وجود علاقة. فالدين سياسة. الدين نظام شامل، نظر وعمل، عقيدة وشريعة، دنيا وآخرة. وتفصل نظم الحكم بينهما.

الدين لله والوطن للجميع. الدين للعبادة والسياسة للدولة. وهو ما انتهى إليه الغرب أيضا بعد طول صراع بين الكنيسة والدولة.

والأخطر أن ينتقل النقاش إلى الجامعة. وتأخذ الدولة موقفا من هذا الإشكال وهو فصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الوظيفة. فلا أحد فى الجامعة، أساتذة وطلابا، يتكلم فى السياسة. ولا أحد من الموظفين العموميين. فاللسان به مناطق لا يجوز الاقتراب منها. والقلب والعقل بهما موضوعات لا يجوز التعبير عنها ومناقشتها. بهذه الطريقة تتحول السياسة إلى «تابو» لا يجوز الاقتراب منه. وإن لم يتم تناوله علناً فإنه يتم التعامل معه سراً. فتخرج الجماعات الدينية المنغلقة على نفسها التى ترفض وأحيانا تعنف. تتحرك تحت الأرض ويصبح العالم لديها عالمين: إيمان وكفر، حق وباطل، صواب وخطأ، أقلية وأغلبية. والأول سيقضى على الثانى مهما طال الزمن.

لذلك يستحيل الفصل بين الدين والسياسة. فالدين فى كل العصور أتى حركة تحررية من الظلم والطغيان. وماذا فعل موسى أمام فرعون الذى كان يقول مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِى، أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى، ألَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْر. وقد وحّد محمد القبائل العربية، الأوس والخزرج، والمهاجرين والأنصار. وخلق دولة مترامية الأطراف من المغرب غربا إلى الصين شرقا، ومن تركيا شمالا إلى جنوب أفريقيا جنوبا، واحدة أو متعددة. بل إن التوحيد نفسه ليس فقط عقيدة دينية (الله واحد) بل نظاما سياسيا، أمة واحدة إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. والعدل أن يكون الإنسان عاقلا مختارا مسؤولا. وهو أساس تربية المواطن. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم دون تبرير للمنكر.

وقد ارتبط الدين بالسياسة فى العصر الحاضر فيما يسمى «لاهوت التحرير». ويعنى كيفية توظيف الدين فى تحرير الشعوب المحتلة. وقد استعمله المسيحيون فى أمريكا اللاتينية، والبوذيون فى آسيا، والمسلمون فى جنوب أفريقيا. وقد أنشأ اليهود «لاهوت الأرض» لبيان أن شعب إسرائيل لا يستطيع أن يعبد الله إلا فى أرض المعاد، فلسطين، وفى المدينة المقدسة، القدس، وفى هيكل سليمان الذى أقيم على أنقاض المسجد الأقصى كما يدعى الأثريون الإسرائيليون. وكما أن شعار الإسلام الأول «لا إله إلا الله» يبدأ بالنفى «لا»، نفى كل الآلهة المزيفة من مال وجاه وسلطان حتى لا يبقى إلا الله. فهو شعار تحرر سياسى. وليس الله فى علاه. فهو رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وهو الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ. فكل مقاوم يعمل من أجل تحرير الأرض فإنه يتعامل مع الألوهية كالمصلى تماما وربما أكثر. وإلا تتحول السياسة إلى دين كما هو الحال فى الماركسية. فالإنسان يحتاج إلى إطار مرجعى دينى سياسى أو سياسة دينية خاصة فى مجتمع متدين كان الدين أساس حضارته، عمارته وفنه وعلمه. وهو موقف سياسى لنزع الدين من السياسة باعتباره عاملا محركا لها إيجابا أو سلبا، مع نظام الحكم أو ضده.

ومما يدعو إلى الدهشة أن نظام الحكم وأجهزته الإعلامية يستعمل معيارا مزدوجا. فبينما يتهم خصومه بخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين، الدين بالجامعة، والجامعة بالدين يقوم هو بنفس الشىء. حلال لى وحرام على غيرى. فالمشاركة فى الانتخابات فريضة، والامتناع عن التصويت ذنب. والتطرف ضد الدين، والعنف ضد الدين. أما طاعة الحكام فمن الدين. والحاكم مندوب الله لدى الناس من الدين. أما الحاكمية لله والخلافة فليست من الدين. والمساعدة فى المشاريع القومية من الدين مثل صلاة الرئيس فى المسجد أمام أجهزة الإعلام. والسلطان العثمانى الجديد فى إسطنبول ليس من الدين. والإمام الثورى فى إيران ليس من الدين. أما السلام مع إسرائيل والدعوة إلى توسيع قاعدة السلام معها، بينها وبين الإخوة العرب فمن الدين، وهى تقتل الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا كما نشاهد كل يوم، وحماس منظمة إرهابية خارج الدين. أما غياب الحريات، والمعتقلات دون اتهامات للآلاف من المواطنين هل هى من الدين؟ وقديما قيل: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟» وماذا عن سيطرة رجال الأعمال على مقاليد الحكم حتى يجمعوا بين السلطة والمال؟ وماذا عن الرئيس المخلوع الذى نهب أموال مصر، هو وأسرته وأصدقاؤه وشلته، ولم يصدر الحكم ضده بعد بالرغم من مرور ما يقرب من خمس سنوات على ثورة يناير 2011؟ وماذا عن إمساك النجلين بمصحفين وهما فى قفص الاتهام تمسحا بالدين وتبركا به؟

لقد قام الدين بأدوار جليلة فى السياسة أثناء حركات التحرر الوطنى مثل ثورة 1919. فقد خرجت المظاهرات من المساجد. وعلى رأسها علماء الأزهر ورجال الكنيسة. وكان الإسلام فى الجزائر صلب الحركة الوطنية، المصحف فى يد والمدفع الرشاش فى اليد الأخرى، و«لا إله إلا الله» على اللسان. وكان الاستعمار الفرنسى يهدم المساجد التى كانت تخرج منها المقاومة ومدارس اللغة العربية التى تحافظ على الهوية العربية، لغة القرآن. وقد كان الدين أحد مكونات المقاومة الفلسطينية. وكان أحد ركائز الاشتراكية حتى إنها سميت «الاشتراكية الإسلامية»، حق الفقراء فى أموال الأغنياء، «ليس منا من بات شبعان وجاره طاو». وهو ما عرف أيضا باسم «اليسار الإسلامى».

لا تعنى الصلة بين الدين والسياسة بالضرورة إما استعمال الدين للمعارضة السياسية أو استعماله لتبرير النظام الحاكم، بل يمكن للدين أن يكون عنصر مصالحة بين الحكم والمعارضة. يمكن أن يساعد على بناء مشاريع قومية مشتركة فى التنمية والوحدة والاتصالات، بل أبسط من ذلك مثل النظافة التى لا يُختلف عليها بين من يفصل بين الدين والسياسة ومن يوحد بينهما. فليس الدين عدوا للحكم، وليس الحكم عدوا للدين، صراعا على السلطة. الدين والسياسة كلاهما مساهمة أيديولوجية لصالح الوطن.

سيظل الدين باستمرار فى القلب، وشعاراته على اللسان خاصة فى مصر. وقد قيل إن مصر شعب متدين. فهو إمكانية يمكن استعمالها لتحقيق المشاريع القومية مثل التحرر، والحرية، والوحدة، والتنمية، والدفاع عن الهوية، وتجييش الناس بدلا من إدارة ظهرهم للعالم أو الاغتراب فى الآخر. الدين إثبات للهوية. والهوية أساس السياسة والاجتماع والاقتصاد. وفرق بين الدين والتعصب. الدين إثبات للأنا وحوار مع الآخر. التجربة الغربية فى الدين تجربة واحدة. انتشرت وأصبحت نموذجا لكل من أراد التقدم والتحديث. ونسى العالم أن هناك نماذج أخرى. ولماذا التقليد لهذا أو ذاك دون خلق تجربة جديدة؟ فتتعدد النماذج وينتهى التقليد الأحادى الطرف. فتقليد المحدثين لا يقل خطورة عن تقليد القدماء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية