قد تكون «صخرة الدويقة» هى أشهر حوادثها.. وقد يكون تعدد سقوط صخور المقطم من أبرز مظاهرها.. ولكننا لا نعرف لماذا لا نحاول أن نعرف السبب، أو على الأقل لا نريد أن نعرف.. ربما لحاجتنا الشديدة إلى أراضٍ للبناء، بعد أن ضاقت الأرض من تحت سفح المقطم إلى شط النيل.. رغم أن حول القاهرة امتدادات هائلة شرقاً إلى طريق السويس وامتداداً إلى طريق الإسماعيلية.. وغرباً إلى صحراء الجيزة التى أصبحت مدينة 6 أكتوبر.. وعلى هذه الامتدادات اتجه فكر المهندس حسب الله الكفراوى - رجل التعمير الأول - لبناء المدن الجديدة من العبور إلى العاشر من رمضان، فضلاً عن 6 أكتوبر نفسها.
ولكن لماذا اتجاه الناس إلى البناء أعلى تلال المقطم - ولا تقل جبال المقطم، فهى مجرد تلال وليست جبالاً - ربما لأن المصرى يعشق البقاء وسط الناس، ولهذا - فى القاهرة - ربط القاهرى حياته فى هذه المساحة المحدودة من أسفل المقطم إلى النهر، وفى المتوسط لا تصل إلى خمسة كيلومترات.. رغم أن المدينة تمتد - بمحاذاة النهر - مسافة 40 كيلومتراً من حلوان والتبين.. إلى شبرا الخيمة.
ولكن لماذا عنوان هذا المقال الصادم لماذا يعشق الناس الآن البناء أعلى هضبة المقطم.. وتحتها فى الهضبة الوسطى.. أقول بكل صدق لأن الخطأ بل والخطر البناء هناك.. وعندى الأسباب!!
ذلك أن تربة المقطم ليست امتداداً صخرياً لجبال البحر الأحمر.. لأن هذه الجبال معظمها صخرى.. أما تلال المقطم فإن أكثرها من الحجر الجيرى والطَّفلة، وأى جيولوجى يعرف أن الأرض الطَّفلة لا تصلح للبناء.. لأنه - علمياً - الطَّفلة طاردة للمياه.. ولا تتشبع بها.. فهى تنتفخ ثم تطرد كل ما فوقها وما تحتها، فإذا أقمنا عليها بيوتاً من طابق أو طابقين.. يمكن بحكم معدل استهلاك المياه أن تتحملها هذه التربة.. أما أن نبنى عمارات عالية، بل أبراجاً شاهقة فى البرج الواحد 50 شقة مثلاً، فإن مُعامل استخدام سكانها للمياه وناتج الصرف الصحى سوف يجعل هذه الأرض الطَّفلة وأيضاً الحجر الجيرى الأولى ترفضها.. والثانية تتشبع بها، سيجعل هذه العمارات قابلة للسقوط السريع.. فضلاً عن تشبع الأرض - تحت هذه المبانى - بالمياه ومخلفات الصرف الصحى، خصوصاً أننا لا نجيد عزل مواسير المياه والصرف الصحى، وبذلك، وبسبب هذا «النشع الكبير» تتعرض كل الهضبة للانهيار.. وبالتالى كوارث سكانية.. إن لم تحدث الآن وسريعاً، فإنها سوف تحدث فى سنوات قليلة!!
وأتذكر هنا عبقرية الفراعنة.. وأسأل نفسى: لماذا لم يفكروا منذ آلاف السنين فى البناء أعلى هذه الهضبة.. هل بسبب إدراكهم لطبيعة تربة الحجر الجيرى السيئة، علماً بأن الأهرام كلها بنيت من الحجر الجيرى.. ولكن لا تصل إليها أى مياه.
وأتذكر أيضاً أنه فى بدايات ثورة يوليو 1952، يعنى فى النصف الأول من الخمسينيات - 1953 - 1954 - فكّر عبداللطيف البغدادى وكان وزيراً للشؤون البلدية والقروية فى مشروع لتعمير تلال المقطم، فاتفق مع شركة إيطالية لربط ميدان الأوبرا - القديمة - بتلال المقطم من خلال خطوط للتليفريك لنقل الناس إلى المقطم، بعيداً عن ازدحام ومشاكل الصعود إلى هناك، مع إقامة عدد من الفيلات الفاخرة.. ولكن وبعد الدراسات.. ثبت أن فكرة البناء على المقطم ليست سليمة، فمات المشروع حتى وإن كان الأديب يوسف السباعى من عشاق المقطم والحياة فوقها.
الآن.. لماذا زادت حوادث انهيارات صخور المقطم.. ولم نكن نسمع عنها من زمان؟ السبب هو توصيل مياه الشرب.. ونظام الصرف الصحى وسوء أعمال السباكة.. وهكذا باتت تلال المقطم تسبح فوق بحيرات من المياه أخذت تتسرب من كل هذه العمارات، وبعد أن بدأ البعض ينشئ الحدائق عامة وخاصة.. وهناك من يفكر فى إنشاء ملاعب للجولف!!
إن توالى انهيارات صخور المقطم علامات إنذار لنا.. فهل سوف نستيقظ مثلاً على إغلاق الطرق التى تربط الهضبة بالقاهرة - عند صلاح سالم - وبالتالى يتم عزل المقطم ويعيش فيها الآن عشرات الألوف من البشر.
** تلك علامات إنذار لنا: للعلماء وأساتذة الجيولوجيا وعلماء التربة، فهل نتوقف - ولو لفترة - إلى أن نتأكد من صلاحية أرض المقطم للبناء من عدمه، ولا نضطر إلى عمليات تهذيب للصخور.
أرجو ذلك، قبل أن تقع الواقعة.. وساعتها لن يكفى الندم!!