فى تحرك مفاجئ لم يتصوره أحد، هاتف الرئيس السيسى الإعلامى عمرو أديب معقبًا على ما طُرح فى برنامجه من عرض تناول إحياء شباب الألتراس الغاضب ذكرى أحداث بورسعيد المروعة. وبجانب حديث الرئيس عن التحديات الكثيرة، أكد رغبته فى التواصل مع الشباب، وصرح بأنه لا «يزعل» من أبنائه، ولا يضجر من الاختلاف بل يؤمن بوجوده. كلام جميل للرئيس، لكن الواقع المعيش يرينا، كل يوم، ظلمًا وقهرًا لجيل ذنبه الوحيد أنه حلم بعالم جديد. يبدو أن الرئيس يشعر بخطر الانفجار الذاتى البطىء الذى يعيشه شباب مصر، إلا أن الأزمة تكمن فى أساليب متبعة تفاقمها ولا تعالجها. فالفترة الأخيرة شهدت موجة اعتقالات استدعت فزعًا غير مبرر فى ذكرى يناير الجميلة، فأدمت قلوب أهل وأصدقاء شباب كثيرين. فى رمضان الماضى تحدث الرئيس، فى إفطار الأسرة المصرية، عن مظاليم من الشباب فى السجون، ويبدو أن خوف الدولة من ذكرى ثورة قد ولّت زاد من أعدادهم، فاحترق مزيد من القلوب المكلومة، واحتقن مزيد من النفوس بلا داع ولا سبب. للأسف الدولة التى تحلف ليل نهار بأنها تبغى تمكين الشباب تحولت سريعًا إلى خصم لكل من اشتبه فيه ولو بغير حق.
قد تكون الحكومة غير قادرة الآن على تحقيق أحلام شبابها رغم بساطتها، ففرص العمل قليلة والظروف الاقتصادية صعبة، لكن ما هو مبرر حالة الترويع المستشرية حاليًا؟ وهل يعقل من الأصل أن يُسخّر الإعلام طاقته لشتيمة المختلفين بدلاً من مناقشة أزمات المصريين المزمنة، وهل من الطبيعى أن تكرس أجهزة الدولة وقتها لملاحقة المعارضين بدلاً من التركيز على حماية أمن البلاد وتوفير الخدمات؟ أعلن الرئيس أنه لا يتضايق من الاختلاف ولا يضجر من الشباب، فهل من يُفهمنا سبب الاغتيال المعنوى الذى يواجهه كل رأى مخالف؟ ومن المسؤول عن حملات التخوين والتشهير التى انتشرت بشكل غير مسبوق لردع كل من حاول التغريد خارج السرب؟ دعنا نسأل أيضًا: لماذا لا يُعاقب أبدًا من يخالف القانون فيهين الناس وحرماتهم، بل يظل محصنًا وكأن شيئًا لم يكن؟ ومَنْ وراء التضييقات الأمنية التى يشهدها كل مهتم بالشأن العام؟ فلا يخفى على أحد أن شباباً كثيرين يحسون اليوم بكبت لا يُحتمل، لأن وسائل التعبير عن الرأى وقنوات الفعل السياسى تُغلق أمام من حمل فكرًا نقديًا ولو مفيدًا، وتُفتح لمن قدم تأييدًا ولو سفيهًا.
بالطبع لا تشهد مصر، حاليًا، ثورة أو فورة، ولكنها لا تنعم أيضًا بالاستقرار أو الهدوء، فبراكين من الغضب تجرى أسفل صخور رخوة من السكون. نعم البلد فى وضع صعب ولا يَحتمل، لكن تأخر العدالة فى جلب حق كل مظلوم يزيد الاحتقان، وخنق كل نفس مختلف يشعل مزيدا من النيران. نقولها قولاً واحدًا: لن تنهض مصر إلا لو اقتنع النظام من داخله بأنه لابد أن يفتح مساحات وقنوات لحرية الحركة، ومن دون وصاية. وأخيرًا لابد أن يدرك المسؤولون أن الإرهاب والعنف لن يهزما، كما أن العدل والحق لن يعودا إلا لو تحركوا بحسم وجرأة لتبنى خطة «جذرية» لإصلاح وتطوير مؤسسات لم تنهر بعد، لكن تهاوى احترام أغلبها للقانون.