قرأت مقالك عن ترجمة رسالة الغفران للمعرى من العربية للعامية، عدد الأربعاء الماضى، وهو ما وصفته بجريمة معرض الكتاب، وأحب أن أضيف أن هذه الجريمة ليست وليدة اليوم فى المعرض، فامتهان لغتنا العربية قديم، وانتهاك أبسط قواعد النحو والصرف حادث منذ سنوات وسنوات فى كبريات الصحف وفى الإعلام، مثل استعمال كلمات اشترى واقتنى وابنى بدلاً من اشتر، واقتن وابن، واستبدل «سيارتك» القديمة بسيارة جديدة بدلاً من استبدل «بسيارتك» القديمة سيارة جديدة، والمقام لا يتسع للحصر.
واستعمال العامية الدارجة أصبح لغة الإعلانات العملاقة المرفوعة فى الشوارع أمام أعين الجميع، بل إن حزباً سياسياً ارتفع شأنه مؤخراً، اختار اسماً عامياً له وهو «المصريين» الأحرار بدلاً من «المصريون»، وكانت شعاراته التى تملأ ملصقاتها الشوارع عشية الانتخابات البرلمانية الأخيرة تقول «عشان مصر اللى بنحلم بيها»، ولو أنصفوا اللغة والأمة لقالوا «من أجل مصر التى نحلم بها»، وما كان ذلك ليكلفهم شيئاً.
ولا تنس يا سيدى أن جريدة رائدة مثل «المصرى اليوم» كانت تُفرد حتى عهد قريب عموداً أسبوعياً فى صفحة مميزة بها لفنانة معتزلة، كانت تكتبه بلغة عامية دارجة حافلة بالألفاظ السوقية، وأن هناك فضائيات دأبت منذ سنوات على قراءة نشرات الأخبار بالعامية، وشاهدت عليها أفلاماً أجنبية تصاحبها ترجمة بالعامية!.. ولا تنس كذلك يا سيدى ذلك الكتاب الذى نادى مؤلفه بإلغاء نون النسوة وألف الاثنين من اللغة العربية حتى تحيا بزعمه، فماذا كان ليكون مصير التراث من أدب وشعر لو أن دعوته هذه قد وجدت صدى، أو كيف كان ليقرأ الشباب القرآن.
كذلك تساءلت فى مقالك ساخراً ومن يدرى فقد يصبح التعليم بالعامية، وأنا أزيدك من الشعر بيتاً بقولى إن هناك من دعا بالفعل إلى تدريس اللغة العامية فى المدارس بدلاً من اللغة العربية، باعتبار العامية بزعمه هى اللغة المصرية، وقال إن لها قواعد هى أسلس وأبسط من قواعد العربية، وضرب مثلاً بالأسماء الموصولة فقال إنها فى الفصحى عديدة مثل الذى والتى واللذان واللتان والذين واللائى، قد يختلط أمرها على البعض، لكنها فى اللغة «المصرية» كلمة واحدة للجميع وهى «اللى»!! وأن أسماء الإشارة فى اللغة المصرية تأتى بعد المشار إليه عكس العربية الفصحى، فتقول الولد ده أو البنت دى أو الناس دول!!
لقد أعجبنى تمثلك باليهود الذين قطعهم الله فى الأرض أمماً، فأحيوا لغتهم حتى يجمعوا شتاتهم، وقد كان، وأحب أن أختم قولى بصيحة أحمد شوقى منذ نيف ومائة عام، محذراً من تضييع اللغة ومن ثم تضييع الأمة، إذ قال:
وصن لغة يحق لها الصيان.. فخير مظاهر الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان.. غريباً فى مواطنه مضيماً
د. يحيى نور الدين طراف