x

أيمن الجندي شاكر و«قضية» الشعر الجاهلى أيمن الجندي الثلاثاء 20-10-2015 21:10


بعيدا عن (وجع قلب) السياسة جاءتنى هذه الرسالة من الأديب والباحث «أحمد عبدالرحيم» والتى تعيدنا إلى عصر رائق كانت فيه للنخبة اهتمامات أخرى. يقول:

أذكر أن زميلًا بالصحافة الثقافية سألنى منذ سنوات: ماذا قدَّم محمود شاكر للثقافة العربية حتى يهتم به محبوه كلَّ «هذا» الاهتمام؟ كان زميلى جادًّا فى الاستفسار.

لا أستطيع هنا أن أقول كل ما قلتُ حول شاكر: ناثرًا، وشاعرًا، وباحثًا، وسياسيًّا، ولُغويًّا، وشارحًا، ومحقِّقًا. ولكنى سأكتفى هنا بجزء يسير: «لو لم يكن لشاكر من فضلٍ إلا أنه نبهنا إلى خطورة (داء الاستهانة)، ووجوب أخذ أمر ثقافتنا وجميع أمورنا بالجدية الواجبة؛ لكفاه فضلًا».

أستحضر تلك المحاورة بمناسبة تساؤل أيمن الجندى: «هل كان رأى طه حسين فى انتحال الشعر الجاهلى يستحق أن يكون معركة أصلاً؟ هل الأمر بهذه الخطورة؟ أم أن العلّامة محمود شاكر كان يبالغ حين وصفها بأنها (فتنة)؟».

وأستأذن فى أن أجيبه باختصار:

أتصور أن أمر تلك «الفتنة» عند شاكر كان ذا شُعَب، أهمها وأعظمها أثرًا فى نفسه قضيةُ الانتحال والسطو الأدبى/الفكرى. وما تبع ذلك من سقوط مصداقية «قادة» الفكر ومتزعمى الأدب من نظر شاكر، وتقوُّض معنى «الجامعة» فى نفسه. حيث تأكَّد لشاكر منذ بدأ يستمع، فى كلية الآداب بـ«الجامعة المصرية» 1926، إلى محاضرات أستاذه طه حسين حول «الشعر الجاهلى» أن أفكارها المحورية منقولةٌ نقلًا مباشرًا من بحث المستشرق الإنجليزى مارجليوث حول الموضوع ذاته، وقد سبق نشره فى «مجلة الجمعية الآسيوية الملكية» سنة 1925، وقرأه شاكر عامَ نشره ذاك، أى قبل دخوله الجامعة. وبحسَب شاكر: لم تكن محاضرات طه، ثم كتابه «فى الشعر الجاهلى»، سوى «حواشٍ» استطرادية على «متن» مرجليوث.

ثم تأتى، بعد قضية انعدام «الأمانة العلمية»، قضيةُ الشك «غير المنهجى» من طه حسين. وقد نصَّ شاكر على أن ذلك الرأى لو كان اجتهادًا من طه، نابعًا من شكٍّ «حقيقى»، لم يكن ليثير غضبتَه وتوابعَها.

الشك «المنهجى» هنا هو بإيجاز أرجو ألا يكون مخلًّا، النابع من تقصٍّ جادٍّ لم يتوفر على البراهين الكافية؛ قاصدًا الوصل إلى يقينٍ غير مقلِّد. وهو مستوًى من الشك مارسه شاكر نفسُه فى مرحلة فاصلة من حياته (1928 – 1936م)، وكانت مرحلةً «شاقةً ومخيفةً» بحسَب وصفه إياها من بعد. فشاكر لم يكن غافلًا عن قيمة الشك وأهميته، وكونه السبيل الأولى للوصول إلى المعرفة الحقة غير المقلِّدة.

وبخصوص «مسألة» الشعر الجاهلى تحديدًا.. سبق لبعض علمائنا القدامى إثارة بعض الشكوك حول «بعضه»، ولم يتوجه شكُّهم إلى أصل ثبوت «شعرٍ جاهلى»!

وهو ما صنعه طه حسين بشكه «اللامنهجى»، حيث نسف الشعر الجاهلى جملةً، بل والقول بـ«أسطورية» أشخاص بعض الشعراء، بل أشخاص أبوينا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام!

بعد هاتين المسألتين (بترتيبهما) تأتى المسائل «الجانبية» ومنها:

- مسألة نقل القرآن والسنة وعلوم الإسلام إلينا.. فالرجال الذين نقلوا إلينا ما يقولون إنه من «الشعر الجاهلى» هم هم من نقلوا إلينا القرآن والسنة وعلوم الإسلام.

- تفسير مفرداته وتراكيبه وَفق كلام العرب وقتَ التنزيل (لا بمجرد «الكلام العربى» كما يظن – خطأً – كثير من المثقفين!) تفسيرًا هو العمدة فى استنباط الأحكام الشرعية التى لا يكون «المسلم» مسلمًا إلا بها.

- إهدار ثروة الأمة القومية وإرثها التليد المتمثل فى ذلك البيان الراقى العالى، الذى لا تفرط فى مثله أمةٌ بها مُسكةٌ من رُشدٍ، أو حتى عقل!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية