x

عبد المنعم سعيد ائتلاف دعم البيروقراطية!! عبد المنعم سعيد السبت 30-01-2016 21:44


أرجو ألا يتبادر إلى الذهن أن العنوان فيه نوع من «التلسين» على أكثر الائتلافات المصرية شهرة حاليا، والتى كانت مرة لدعم الدولة، ثم بعد ذلك صارت لدعم مصر كنوع من التحديد الدقيق على أساس أن اللبس وارد فى حالة الحديث عن «الدولة»، فيتبادر إلى الذهن دول أخرى غير المحروسة. صحيح أن الائتلاف لعب دورا أساسيا فى تكتيل القوى البرلمانية المختلفة من أجل رفض قانون الخدمة المدنية، ومن الجائز أيضا أنه حاول تكتيل هذه القوى من أجل القبول بالقانون، ولكنه فى الحالتين فشل فى قبول الإصلاح فى الأولى، وفى الحفاظ على قوة الائتلاف فى الثانية. ولكن هذا ليس موضوعنا على أية حال.

فالثابت لدينا أن المعارضة للقانون شاملة لملايين المصريين، ليس لأنهم جميعا يعملون فى الخدمة المدنية، ولكن لأن ستة ملايين مصرى يعملون، أو لا يعملون رغم توظيفهم فيها، يعارضون الموضوع بقوة. هذا الرقم ليس من عندى، ولكن الرئيس عبدالفتاح السيسى صارح الشعب المصرى بأن لدينا سبعة ملايين موظف فى الخدمة الحكومية، لا نحتاج لأكثر من مليون منهم. ما تبقى ستة ملايين، يشكلون أكبر حزب سياسى فى البلاد، وإذا أضيفت لهم أسرهم فإن المتعاطفين مع حالهم يبلغون ٢٤ مليوناً. ولعل هناك احتمالاً قوياً أن عدداً مماثلاً من المصريين يرغب بشدة فى العمل فى الخدمة المدنية، ولكنه لا يريد أن يدخلها وقد تم إصلاحها لأنه فى هذه الحالة فإنها سوف تفقد أهم مميزاتها فى القدرة الفائقة على بقاء الأمور على ما هى عليه ثم الشكوى الدائمة بعد ذلك بأن الأمور سيئة للغاية، إما لأن مؤامرة دولية قد ألمت بنا، أو لأن هناك فسادا مستشريا بين أهل القمة يجعل العمل غير منتج، أو لأن توزيع الثروة داخل الجهاز الحكومى لا يتم بالعدل المطلوب، ووفقا لحد أدنى وآخر أقصى يكفى لتطفيش جميع الكفاءات فتضيف سببا إضافيا للفشل وهو غياب الكفاءات.

المعارضة للقانون لها أسباب متعددة، سوف نسمعها ونقرأ عنها كثيرا خلال الأيام المقبلة، ولكن جميعها يدور حول ثلاثة أمور: الأول أن مسألة ربط العمل بالإنتاج أو تقديم الخدمة للمواطنين تبدو غير منطقية، لأن الإنتاج يحتاج لما هو أكثر من جهد الموظفين وإنما لأدوات ومواد خام غير متاحة فى العادة، وبعد ذلك فإن تقديم الخدمة يفترض سلامة النية لدى المواطن الذى لم يشق أحد قلبه لكى يعلم عما إذا كان صادقا أو وطنيا بما فيه الكفاية، فإذا لم يكن كذلك فلابد من اتخاذ الاحتياطيات الواجبة التى تؤدى به إلى الرحيل من البلاد. والثانى أن الأصل فى الأمور هو «المساواة»، فطالما أننا جميعا أولاد «تسعة»، وأننا جميعا نتساوى أمام القانون، فلابد أن يتساوى الجميع فى المرتب، والمكافآت، والحوافز. المثال الذى سمعته طوال الأسابيع الماضية كان عن وجود شخصين ولدا فى يوم واحد، ودخلا الجامعة فى يوم واحد، وتخرجا فى يوم واحد، وحصلا على نفس الدرجات، وتم تعيينهما فى نفس المؤسسة، فكيف يمكن قبول الاختلاف بينهما فيما يحصلان عليه من أجر وحوافز وأرباح ومكافآت. هنا لا يجب أن يتحدث أحد عن الموهبة، أو المهارات الخاصة، أو القدرة على الإنجاز أو ببساطة التفوق، فتلك أمور مزعجة ولا يليق الحديث عنها. والثالث أن الأصل فى الموضوع ليس أن الوظيفة فى الخدمة المدنية هى لمهمة بعينها لخدمة المجتمع والدولة. وإنما الحقيقة هى أن الخدمة المدنية وجدت لكى يتوظف فيها الموظف، ومن ثم فإن جوهر الإصلاح هو توفير أكبر قدر ممكن من السعادة له خاصة مع الرواتب القليلة، والعلاوات الزهيدة.

قد يبدو كل ما سبق غريبا، وغير معقول، فالمساواة بين غير المتساوين معضلة كبرى، ولكنها حقيقية أردنا أو لم نرد، وهى موجودة فى ملاعب كرة القدم، وفى الشركات الخاصة، كما هى قائمة فى جهاز الخدمة المدنية. المسألة ربما تكون أكثر عمقا من ذلك كله، وربما يكون من الحكمة أن نعود مؤقتاً إلى القانون القديم ثم نعيد طرح الموضوع بطريقة أخرى تبدأ بتجزئة المشكلة، فإذا كان هناك ثلاثة ملايين يعملون فى المحليات فإن الطبيعى هو أن تكون نقطة البداية هى اللامركزية حيث تكون المحافظة هى الوحدة التى لها جهازها الخاص بالخدمة المدنية والتى تختلف فى محافظات جنوب مصر، عن أخرى فى شمالها، عن القاهرة بالطبع. هنا تتكامل المسألة مع أمور أخرى من أول توزيع الموارد القومية وتلك التى تخص كل محافظة وحتى الرقابة على أعمال المحافظين والأجهزة التنفيذية. الأمر كله يمكن أن يكون ثورة شاملة فى البلاد، لأن العاملين فى الخدمة المدنية سوف يتعاملون مع واقع قريب فيه من الشفافية ما يجعل المساواة بين غير المتساوين مقبولة فى حدود الثقافة السائدة. وبصراحة فإن الإصلاح عملية شاملة، وقانون الخدمة المدنية المغدور به من مجلس النواب ربما كان سيأخذنا خطوة إلى الأمام، ولكن ما نحتاجه هو قفزات كبرى نحو المستقبل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية