x

سمير فريد جريمة فى معرض الكتاب اليوم: ترجمة شعر المعرى من العربية للعامية! سمير فريد الثلاثاء 26-01-2016 21:12


يبدأ اليوم معرض القاهرة الدولى للكتاب، ويباع فيه لأول مرة كتاب/ جريمة، وهو ترجمة «رسالة الغفران» من العربية إلى العامية، التى تعتبر من درر الإبداع الإنسانى فى كل اللغات لشاعر العربية الأعظم أبوالعلاء المعرى.

من الممكن القبول بالعامية كاختيار فنى للبعض فى كتابة الأغانى أو حوار المسرحيات والأفلام، ولكن كتابة النثر بالعامية انحطاط ثقافى، فالعامية لا تُقرأ، وإنما تُسمع، ولا تصمد لمرور الزمن لأنها تتغير من زمن إلى آخر، وتفرق بين أبناء الشعب الواحد لأنها تختلف من بيئة إلى أخرى. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية فى انتشار العامية، والكتابة حسب النطق، حتى وصل الأمر إلى كتابة اسم الجلالة «الله» هكذا: «ألاه»!

ترجمة «رسالة الغفران» من العربية إلى العامية تعنى التعامل مع العامية كلغة، وليس لهجة من لهجات العربية، وهى مثل أى لهجة فى أى لغة تنتشر بقدر انتشار الأمية والتدهور الثقافى، وتتلاشى مع انتشار التعليم وازدهار الثقافة، ولكن من يدرى ربما يصبح التعليم بالعامية، خاصة أن فى الأسواق «قاموس عربى/ عامى» مثل قواميس اللغات الأجنبية «إنجليزى/ عربى» و«فرنسى/ عربى»!

لقد دمَّر الدواعش العام الماضى قبر أبوالعلاء فى بلدته المعرة فى سوريا، التى استمد منها لقبه، وحطموا تمثاله، وها هم دواعش الثقافة يدمرون إحدى روائعه الخالدة هذا العام فى القاهرة، ومن يدرى ربما يصل الانحطاط إلى ترجمة «القرآن» من العربية إلى العامية أيضاً!

يُعلِّمنا التاريخ أن هناك شعوباً انقرضت عن آخرها، ولم يعد لها وجود على الأرض، ويُعلِّمنا التاريخ أن أول مظاهر الانقراض كان نهاية لغتهم الخاصة، ومن المفارقات أننا نقضى على لغة عاشت ألفى سنة، ونحولها إلى لغة للصلاة داخل المساجد والكنائس، فى الوقت الذى قامت فيه إسرائيل بإحياء اللغة العبرية بعد أن ماتت ألفى سنة، وكانت لغة للصلاة فى المعابد. وكان ذلك الإحياء وسيلة الدولة الصهيونية لتوحيد سكانها الذين جاءوا من بلاد شتى، ولكل منهم لغته، وأصبح هناك أدب عبرى وشعر عبرى يفوز بجائزة نوبل.

«ألاه» على فيس بوك، وقاموس عربى/ عامى، وترجمة «رسالة الغفران» من العربية إلى العامية- إشارات بداية الانقراض، وسوف نهمهم قريباً مثل الإنسان الأول إذا استمر ذلك الهدم المتواصل للغة العربية، فلغة التفكير هى لغة التعبير والتوصيل، وكل إناء ينضح بما فيه.

ومن ناحية أخرى، لا أحد يملك الحق الأخلاقى، الذى يفوق الحق الدستورى والقانونى، فى أن يشوِّه شعر المعرى الذى كتبه بالعربية، وينشره بلهجة العوام، والشاعر فى رحاب الله لا يملك أن يدافع عن حقه فى نشر عمله كما كتبه، وليس كما كتبه بعض السفهاء.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية