x

طارق الشناوي هزيمة سينمائية لثورة اللوتس طارق الشناوي الثلاثاء 26-01-2016 20:42


مساء يوم 24 يناير 2011 فى بيت العود الذى يشرف عليه الفنان المبدع نصير شمة، كان اللقاء معى يتناول فيلم «إضراب الشحاتين» للمخرج حسن الإمام، يومها قلت للحاضرين بالحرف الواحد إن الإضراب لم يكن فقط من أجل لقمة العيش ولكن للحرية والكرامة وأن مصر بعد أقل من 24 ساعة سوف تهتف مجددا للحرية والكرامة الإنسانية.

فى مساء اليوم التالى ذهبت سيرا على الأقدام من بيتنا فى حى المنيل حوالى 30 دقيقة إلى ميدان «التحرير»، مشاركا فى أول ومضة للثورة النقية، أول وجه ألمحه فى شارع قصر العينى كان جورج إسحاق وجدته يتهلل فرحا مرحبا بى وكان مغادرا الميدان، بعدها بقليل وجدت صديقى الكاتب الصحفى أسامة سلامة قال لى سترى مشهدا لن تنساه أبدا، دخلت للميدان وأيقنت أنها ثورة حقيقية، هناك لمحت إبراهيم عيسى وجميلة إسماعيل وعلاء الأسوانى ويسرى نصرالله، كل هذه الأسماء لم أندهش لرؤيتها ولكن كانت المفاجأة هو آسر ياسين، الذى كشف عن وجه ثورى لم أكن أعرفه.

بالتأكيد هناك آخرون تواجدوا فى نفس التوقيت لم أرهم سبقونى أو جاءوا بعدى، كانت الكاميرات تصور والمحمول بالطبع لم يكن لديه كل الإمكانيات الحالية ولكنه كان قادرا على تحمل المسؤولية للتوثيق، لو قلت إن لدينا آلافا من الأفلام التسجيلية لا أعتبرها مبالغة سواء عُرضت فى مهرجان أو على شاشة أو شاهدها مجموعة من الأصدقاء أو ظلت حبيسة الأدراج، نملك ولا شك ثروة فيلمية منحت تلك اللحظات العابرة حياة أبدية لن يقهرها الزمن.

كنت شاهد إثبات على حال السينما وحال الثورة معا،هناك ودائما مساحة بين قيمة الحدث الوطنى وأسلوب التعبير، ليس بالضرورة أن الأحداث العظيمة تخلق مباشرة إبداعاً عظيماً، ربما كانت الأغنية هى الأسرع فى الاستجابة ورغم ذلك حتى على مستوى الأغنية لم نصل إلى القيمة التى ترتقى للحدث يكفى أن نتذكر أن حمادة هلال ملأ الأستوديو بالدموع وهو يردد «شهداء يناير ماتوا فى 25 يناير»، ربما رامى جمال وعزيز الشافعى كانا الأقرب للمشاعر مع «بلادى يا بلادى يا بلادى يا بلادى أنا بحبك يابلادى»، أيضا أغنية «مصر قالت» لعمرو دياب، بينما أغنية محمد منير «إزاى» كان يرددها قبل الثورة ومنعتها الرقابة ثم مع بدايات الثورة اخترقت حاجز المنع، كان يصاحبها شريط مرئى شهد تغييرا فى تكوين الصور تبعا لما يحدث فى الشارع، فى البداية كانت صورة مبارك تستحوذ وبعدها خفت تواجده، ثم مع اقتراب التنحى شاهدنا على الدبابة شعار «يسقط حسنى مبارك» بينما كان هو من الناحية النظرية لايزال يشغل موقع القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومع التنحى لم يعد لمبارك وجود فى الصورة، إلا أن «إزاى» ليست أغنية الثورة ولا منير بالطبع مطرب الثورة، حمزة نمرة كان هو الأقرب للثورة واسمه ارتبط بها وربما لهذا السبب بين الحين والآخر كنا نشاهد هبات من الرفض ضده سواء من الإذاعة الرسمية أو نقابة الموسيقيين فى ظل سيطرة الدولة على النقابات الفنية، إلا أن حمزة لم يحقق دائرة جماهيرية تحميه وتردد أغانيه مثلما كان الثنائى الشيخ إمام ونجم لهما جمهورهما فى حقبة السبعينيات من خلال شريط الكاسيت بعيدا عن الإعلام الرسمى.

الأغنية لم ترصد الحدث بعمق، بينما السينما الروائية موقفها أصعب فهى بحاجة إلى مرحلة هضم ومعايشة، السينما التسجيلية سارعت بالعديد من الأفلام مثل «الطيب والشرس والسياسى» ولدينا قبل عامين فيلم «الميدان» الذى لن تراه أبدا فى دور العرض ولا تصدق كل الحجج التى تتردد عن مشكلات إدارية تحول دون عرضه، لقد منعت الدولة عرضه فى بانوراما السينما الأوروبية فى 2014 برغم أن المهرجانات لها صلاحية فى العرض لمرة واحدة متجاوزة العديد من الخطوط الحمراء التى تفرضها عادة الرقابة، ولكن لأن هتاف «يسقط حكم العسكر»، الذى يوثقه الفيلم أثناء تولى المشير طنطاوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحكم، هذا النداء ممنوع أصلا أن يتذكره أحد برغم أن المخرجة جيهان نجيم استكملت فيلمها حتى ثورة 30 يونيو ولكنه ممنوع من التداول فى مصر ولن يشفع له أنها المرة الأولى التى نصل فيها بفيلم مصرى إلى القائمة القصيرة للأوسكار، العام الماضى عرض فى مهرجان «برلين» الفيلم التسجيلى الطويل «بره فى الشارع» وأيضا لم يصل إلى مستوى الحدث برغم إخلاص مخرجيه.

الظاهرة الجديرة بالتوقف أن المهرجانات الكُبرى كانت تبحث عن السينما المصرية بعد الثورة وهكذا تم تكليف المخرج يسرى نصر الله من أحد المسؤولين فى مهرجان «كان» 2011 بأن يُقدم فيلما ولم يكن باقيا على المهرجان سوى ثلاثة أشهر فجاء فيلم «18 يوم» بتوقيع عشرة مخرجين، وفى نفس الوقت تم تكليف الباحثة السينمائية ماجدة واصف بتقديم أفلام تتناول الثورة فلم تجد سوى «صرخة نملة» الذى كان يحمل فى البداية عنوان «إلحقنا ياريس» وحصل بالفعل على موافقة الرقابة كسيناريو أثناء تولى مبارك الحكم فى 2010، ويجب ملاحظة أن الرقابة لا تسح بالاقتراب- ولاتزال- من نظام الحكم، أى أن الفيلم من المؤكد كان ينتهى مثلما يشى العنوان الأول باللجوء للرئيس مثل الأفلام السابقة «كراكون فى الشارع» أو«زوا ج بقرار جمهورى» أو «طباخ الرئيس» وغيرها وافقت عليها جميعا الرئاسة أولا، بل إن الدولة بلغ خوفها مثلا أن فيلم «فوضى» طلبت تغيير عنوانه ليصبح تساؤل بدلا من الإقرار ليتحول إلى «هى فوضى» وفيلم «الريس عمر حرب» كان اسمه فى البداية «الرئيس» فلم تتحمل الرقابة كلمة الرئيس، خففتها إلى الريس وأضافت عمر حرب، و«ظاظا رئيس جمهورية» أصبح «ظاظا» فقط مع اللجوء إلى التجريد فلا وجود مباشر لمصر لا علم ولا نيل ولا برج والمكان فى المطلق، ولكن صُناع «إلحقنا ياريس» وضعوا فى نهايته بعد إجبار مبارك على التنحى اغتيال الرئيس وعرض داخل قسم «البلاج» فى مهرجان «كان» باسم «صرخة نملة».

وكان قد سبقه فى العرض رسميا ولكن خارج التسابق «18 يوم» ووقتها عرض أيضا لتونس الفيلم التسجيلى الطويل «لا خوف بعد اليوم» لم يحمل الفيلم التونسى سوى تكرار ممل لدوافع الثورة العظيمة التى فجرها الشباب التونسى لتتحول إلى ثورات مضيئة تنتقل إلى عالمنا العربى محملة بعطر ثورة الياسمين.. بل إن النداءات التى رأيناها فى كل الثورات العربية انطلقت أولاً من تونس مثل سلمية والشعب يريد إسقاط النظام وإرحل كما أن أسلوب الشرطة فى قهر الناس بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحى والضرب والسحل يتشابه.. أغلب الأفلام القصيرة المصرية العشرة التى اشتركت فى تلك الاحتفالية تحت اسم «18يوم» رأيت فيها أيضاً نفس المأزق وهى أنها لم ترق إلى مستوى الحدث العظيم بل أتصورها لعبت دوراً عكسياً حيث إنها سرقت الكثير من العزة والبهجة التى عشناها جميعاً أثناء الثورة!!

الاختلاف الوحيد بين ما حدث فى مصر وتونس هو أنهم فى تونس لم يعترض أحد على اختيار الفيلم التونسى للعرض فى «كان» بينما فى مصر استمعنا إلى العديد من الأصوات الغاضبة التى سبقت عرض الفيلم ووصلت نيران الاحتجاج إلى مهرجان «كان» وكانت ملامح الرفض تبدو على عدد كبير من المخرجين وأيضاً بعض نجوم هذه الأفلام لأن هناك إحساسا بأن هناك من قفز على الثورة وأراد تقديم نفسه باعتباره هو الثورى برغم أنهم كانوا الأقرب إلى عهد وزمن وعائلة مبارك بل استفادوا مادياً وأدبياً من هذا الاقتراب، وهذا الفيلم لن تشاهده أبدا فى دور العرض المصرية لأنه من الناحية القانونية لا يوجد من يتحمل مسؤولية العرض، ولو تصورنا عرضه فلن يُقبل عليه أحد بعد أن تجاوزه الزمن.

هل وصلت الأفلام الروائية إلى قيمة الثورة؟ إجابتى هى لا.. هل كان ضيق الوقت السبب أم أن خيال المبدعين كان قاصراً وفقيرا؟.. مع الأسف الثانية هى الحقيقة، لم يستوعبوا بعد روح الثورة،، كل ما شاهدناه على المستوى الروائى بداية من «بعد الموقعة» ليسرى نصرالله الذى عُرض أيضا فى «كان» 2012 لم يرق لتلك الومضة الطاهرة، بينما فى مهرجان «دبى» 2015 شاهدنا «نوارة» لهالة خليل وهو كما ذكرت من قبل أقرب إلى مرثية لحال الثورة.

هل الدولة تمنح ضوءا أخضر لفيلم عن ثورة 25؟ أشعر أن الأصوات الرافضة للثورة وتناصبها العداء متغلغلة داخل النظام لن تسمح بفيلم عن الثورة الطاهرة 25 يناير وحتى إشعار آخر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية