x

عبد الناصر سلامة .. ولما كان 25 يناير عبد الناصر سلامة الأحد 24-01-2016 21:42


لا أحد يستطيع أن يُنكر أن الهدف من اختيار تاريخ 25 يناير عام 2011، المعروف بـ«عيد الشرطة»، هو العكننة على الشرطة، وكسرها فى يوم عيدها، وقد تحقق ذلك، كان يمكن اختيار يوم الجمعة كما هو عادة المظاهرات دائماً، وكان ذلك يوافق 21 يناير، كان يمكن اختيار يوم 28، الجمعة التالية، إلا أن الهدف كان واضحاً، ولم يُشَكِّك فيه، حتى مَن اختاروه. الغريب أن الهدف جاء على هوى جهات أخرى، فساهمت فى ذلك بقوة، وقد تجسد ذلك فى صورته النهائية بالسماح باقتحام مقر أمن الدولة بعد ذلك، على اعتبار أنه آخر ما تبقى للشرطة ككل، وبالمقر ما به من أسرار للمواطنين، ولغيرهم ممن تجرأ عليهم الجهاز خلال سنواته الأخيرة.

وإذا عُدنا بالذاكرة إلى الوراء، فسوف نكتشف أن الشرطة كانت قد أخذت فى التضخم، ليس فى الشارع فقط، وإنما على مستويات أخرى، وكأنها أرادت المساواة، أو أن تكون نداً، فتوسعت أيضاً فى إنشاء الأندية، والمصايف، والأراضى، والعقارات، والمشروعات، وكأنها أرادت أن تصنع اقتصاداً موازياً هى الأخرى، فأصبحت مستهدفة، ليس فقط بسبب تجاوزاتها التى تم تضخيمها فى ذلك الوقت، وإنما لتلك الأسباب الخاصة بصراع المصالح، وفرض الإرادة، والهيمنة.

توارت الشرطة، بل هربت، وعانى المواطن الطبيعى، وسادت البلطجة، وانقسم الناس فى الحكم على الأوضاع، ما بين منحاز للشرطة، مهما كانت تجاوزاتها، وخصم عنيد يرفض حتى مجرد ذكر اسمها، إلا أنها فى كل الأحوال دفعت ثمناً باهظاً، ليس من مقارها التى تم تدميرها بالعشرات، أو سياراتها التى تم إحراقها بالمئات، وإنما أيضاً من دم أبنائها، ما بين انتقام من أفراد محددين، لتجاوزات سابقة، وما بين آخرين، لا ذنب لهم سوى أنهم رجال شرطة، وكانت الطريقة التى تم القبض بها على وزير الداخلية آنذاك أكبر دليل على أن هناك فى النفوس الكثير.

المهم أننا كُنَّا، كما الكثيرين، نأمل فى عودة مغايرة للشرطة، تقوم على احترام الإنسان، وحقوقه الدستورية والقانونية، وسلوكيات مختلفة داخل أقسام الشرطة وخارجها، وإعادة تأهيلهم نفسياً، بما يضمن أنهم قد تجاوزوا آثار هذه الأحداث، للأسف لم نر شيئاً من ذلك، بل عادت بتجاوزات أكثر قسوة، وهو الأمر الذى جعل هناك إصرارا لدى البعض على استمرار استهداف ذلك التاريخ، الذى كان مُشَرِّفاً ومشرقاً لمصر كلها، قبل أن يتحول إلى كابوس مرعب للمواطنين ورجال الشرطة على السواء، تنتشر معه المدرعات والدبابات فى الشوارع، فتحول من يوم عيد إلى تهديد ووعيد.

السؤال هو: كيف يمكن العودة بعيد الشرطة إلى يوم يتبادل المواطنون معهم التهانى والتبريكات والورود، ليصبح يوماً احتفالياً، أم أن ذلك التاريخ تم إفساده إلى الحد الذى أصبح يصعب علاجه، فأصبح من الضرورى البحث عن تاريخ آخر للفرح والسرور، وهو ما أجده أكثر واقعية، فى ظل هذه الظروف التى أصبحت تفرض نفسها على مجريات التاريخ الحالى، الذى أصبح يوماً حزينا وكئيباً، ويبدو أنه سوف يستمر كذلك طويلاً؟!

أعتقد أنه أصبح من المهم أيضاً البحث فى وسائل وقف نزيف الدم فى صفوف الشرطة والمدنيين على السواء، فلا السهوكة يمكن أن تُعيد للمجتمع ما فقد من أبنائه، ولا الدموع سوف تُعيد للأطفال اليتامى آباءهم، ولا المعاشات يمكن أن تعوض السيدات عن أزواجهن، ولا الجنازات العسكرية يمكن أن تشفى صدور آباء وأمهات كان هذا الجندى أو ذلك الضابط هو مشروعهم الشخصى، والعائلى، والقومى، بل كل حياتهم.

الأمر الأكيد هو أنه لا يوجد مجتمع، متحضراً كان أو غير متحضر، يمكن أن يعيش بدون جهاز للشرطة، وهو الأمر الذى كان يجب تداركه منذ بداية الأحداث قبل خمس سنوات، وقد يكون هناك من حالات الجهل بين المواطنين ما جعل الأوضاع تشهد مثل هذه التجاوزات المؤلمة، إلا أن الغريب فى الأمر هو أن يتم الاستهداف فى مرحلة ما، لتصفية حسابات ما، وهو الأمر الذى كان يجب أن نتوقف أمامه طويلاً بالحساب والعقاب، لضمان عدم تكرار المأساة ليس أكثر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية