طابور طويل من النساء المتشحات بالسواد، وكأنهن في عزاء جماعى، الحزن يبدو على وجوههن، بعضهن مرتبكات يرهبن الموقف، والبعض الآخر يبدوعليهن السكينة والثبات، الطابور الطويل ينتهى عند المنصة، الأيدى ممتددة للمصافحة، والقلوب عامرة بالأحزان والذكريات تستدعى دموع العين.
العلب الزرقاء المخملية التي تحتوى على نوط الامتياز تستقبلها يد أرملة أو يتيم أو أب، خطوات قليلة تفصل بين طابور أسر شهداء الشرطة والمنصة التي يقف عليها الرئيس السيسى الذي يصافح الجميع باهتمام بالغ، يقبل أبناء الشهداء ويربت على رؤوسهم، ويشد على يد الآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم، ويتبادل مع الجميع كلمات العزاء والمواساة.
مشهد مؤثر لمس قلوبنا جميعا، وبخاصة والد الشهيد عبدالرحمن، الذي فقد ثلاثة من أسرته، ضابطان في الجيش من أبناء عمومته والثالث ابنه ضابط الشرطة، جميعهم استشهدوا في سيناء، تحدث الأب المكلوم عن عبدالرحمن، الذي فضل كلية الشرطة عن كلية الطب، استكمل مسيرة أعمامه في حماية الوطن.
تكريم شهداء الشرطة ليس تعويضا عن حياتهم التي بذلوها رخيصة، من أجل الواجب، ولكنه محاولة لتخليد ذكراهم وتقدير تضحياتهم.
العلبة القطيفة سيكون لها مكان مميز في بيت أسرة الشهيد، وكذلك الصورة التي تجمع بين أفرادها ورئيس الجمهورية.
وأنا أتابع وقائع احتفال الشرطة بعيدها، تذكرت «ربيع شعبان عبدالعال» الشاب المصرى الفقير الذي راح ضحية انفجار القنصلية الإيطالية في القاهرة، جاء من قرية النزلة بمحافظة الفيوم إلى العاصمة بحثا عن لقمة عيش حلال، بعد أن ضاقت به الحال في قريته فعمل بائعا متجولا في شارع 26 يوليو، رحلة حياته القصيرة انتهت على يد الإرهاب، مثلما حدث مع مئات المصريين غيره في مختلف محافظات مصر.
«ربيع» له أسرة من أم وأب وأخوات، لكن الرئيس لا يعرفهم، ولن يكون لأحدهم الحظ في مصافحة الرئيس والتصوير معه ووضع الصورة في مدخل البيت ليراها كل من يزوره.
الرئيس دمعت عيناه تأثرا وهو يحمل رضيعا يتيم كُتب عليه ألا يعرف والده ولا يشعر بحنانه، بدا قريبا من مشهد الجد الحنون أكثر من كونه رئيس دولة، هل يتذكر الرئيس شيماء الصباغ وطفلها الصغير الذي حُرم من أمه مبكرا؟ ما هي مشاعر الرئيس تجاه من يموت بسبب سوء المعاملة في أقسام الشرطة؟ هل يشعر بالأسى تجاه أبنائه جميعا حتى العاق منهم؟
أثناء الاحتفال تحدث الجميع عن الثأر: طفل صغير يريد أن يثأر لأبيه، أرملة توعدت قتلة زوجها بالثأر وكذلك وعد الرئيس بالثأر من أعداء الحياة والوطن، تكرار الكلمة ذكرنى بمشهد العمة الصعيدة المحرضة على القتل، بحجة الثأر في المسلسلات المصرية.
أكره كلمة ثأر، وأفضل عليها «القصاص»، القصاص عدل، والثأر تجاوز مغلف بمشاعر الانتقام.
رجل الشرطة عليه ألا يترك لنفسه العنان ليشعر برغبة في الانتقام من أي شخص، ولو كان خارجا عن القانون، عليه أن يسيطر على نفسه، ويلتزم بالقانون الذي وعد أن يحافظ عليه، ويصونه، فهو الرجل الذي ائتمنه المجتمع على تنفيذ نص القانون، تجاهله للقانون يؤدى إلى فوضى في المجتمع، ويعطى الفرصة للقوى في استغلال الضعيف، دون خوف من العواقب.
أسر شهداء الشرطة تحتاج رعاية دون شك، وكذلك حال كثير من الأسر المصرية، التي تعرض أحد أفرادها للعنف على يد رجال الشرطة، سواء في مظاهرة أو أقسام الشرطة أو السجون.
عيد الشرطة يوافق ذكرى ثورة 25 يناير..
أقولها بصدق: شهداء الشرطة، لن ننساكم.. ويا رجال الشرطة، لا تنسونا.
[email protected]