x

مي عزام حديث الثلاثاء ... احترمها فصارت زعيمة مي عزام الإثنين 26-10-2015 22:39


«لا أريد لابنتى أن تكون مجرد إمرأة تغسل الثياب وتنظف البيت.. أتمنى أن تدخل معترك الحياة العامة كأى رجل، ولهذا فمن المفضل أن تعمل بيديها، مثلها في ذلك مثل بقية العمال والعاملات».. هكذا كتب الزعيم نهرو رسالة إلى مدرسة طاغور التي ألحق بها ابنته أنديرا، وأضاف نهرو في رسالته أن ابنته أنديرا «لا ينبغى أن تشعر بأنها متميزة عن الآخرين»، فقد كان الجميع في العائلة يريدونه أن ينجب صبياً، لكن الزعيم المستنير أدرك أنه لا فرق بين ذكر وأنثى، وأنه يمكنه أن يربى طفلته على أن تكون رجلاً، ولم تخيب الطفلة أمله، ففى الثالثة من عمرها استغنت عن عروستها إنجليزية الصنع لأن غاندى نادى بالمقاطعة، كانت تحب عروستها ولكنها اختارت الوطن، وفى سن الخامسة كانت تعتلى منضدة المطبخ وتجمع الخدم لتلقى عليهم خطبتها وتردد كلام أبيها وغاندى. أدرك نهرو أن ابنته «أنديرا» لن ينتهى بها الحال في المطبخ أمام الموقد، ولكن مستقبلها سيكون في قاعة البرلمان ومقر رئاسة الوزراء، ولذلك صدمه حديثها وهى في الخامسة والعشرين عن رغبتها في الزواج من زميل لها في أكسفورد يدعى «فيروز غاندى»، شعر الزعيم بأن ابنته الوحيدة خذلته وبأنها ستتزوج وتنسحب من الحياة العامة ومسؤولياتها. وهو ما سبب ألماً شديداً لنهرو، ومنذ ذلك الحين مات شىء ما بينهما.

لكن لو عاش نهرو طويلاً لأدرك أن ابنته لم تخذله يوماً، فرغم حزنها على زوجها الذي توفى فجأة عام 1960 فإنها استمرت في الحياة تربى ولديها سنجاى وراجيف، وتساعد والدها، الذي كان حينذاك رئيساً لوزراء الهند، وترافقه في كل زياراته الخارجية، لكن وفاة والدها بعد ذلك بأربع سنوات قصمت ظهرها.. شعرت بالضياع وأصيبت بالاكتئاب ورفضت عرض قادة حزب المؤتمر بأن تخلف والدها في رئاسة الوزراء، فلم تكن مؤهلة نفسياً للمنصب. تجاوزت أنديرا محنتها وأتيحت لها فرصة ثانية لتكون رئيسة وزراء وتتحول في العالم كله لأيقونة ترفع صورتها كل المنظمات النسائية في العالم في منتصف الستينيات.

«لا أحب توجيه النصائح، كما أننى لست ممن يتلقون نصائح من أحد. لم يسيّرنى أحد من قبل- حتى وأنا طفلة- ولن يسيّرنى أحد الآن».. هذه الجملة الحاسمة توصف شخصية أنديرا غاندى السياسية، قبضت على زمام الحكم بقبضة من حديد، لم يرهبها أحد ولم تفعل إلا ما كانت تؤمن به، ورغم أن ذلك أفقدها شعبيتها في النهاية فإنها لم تنحن أمام العواصف، وخسرت انتخابات عام 77 بسبب مشاكل الفقر وحملة تعقيم الرجال التي قادتها للحد من زيادة النسل في الهند، وكذلك إعلان حالة الطوارئ التي زجت على إثرها بالمعارضة في السجون، ولم يغفر لها انتصارها على باكستان عام 71 ولا الثورة الخضراء التي قادتها وإنهاء امتيازات الأمراء لصالح الفقراء وقمع الفتن الطائفية. وكادت أنديرا تعتزل العمل السياسى، لكن ابنها الأكبر سنجاى ساندها وأعادها لحزب المؤتمر الذي ترأسه، وزادت شعبية الحزب في الشارع، وفازت أنديرا بانتخابات 1980 وكانت تؤهل ابنها لخلافتها ولكن القدر لم يمهلها، فلقد مات سنجاى في حادث طائرة في نفس العام، واستمرت الأم الثكلى في الحكم وحاولت كما كانت دائماً أن تفعل ما تراه صائباً، وهو إعلاء قيمة «الدولة» في مواجهة «الانتماء الطائفى»، فلقد ردت بعنف على رغبة طائفة السيخ بالانفصال وهاجمت «المعبدالذهبى»، وكانت مجزرة قتل فيها الكثير من المتشددين وزعيمهم، ما أوغر صدر أتباعه، وجاءت الضربة القاتلة من أكثر الدوائر قرباً لها.. الحرس الخاص، وكان منهما اثنان ينتميان للسيخ، رفضت الاستغناء عنهما لتؤكد أن «الانتماء للدولة» أعلى من «الانتماء الطائفة». ودفعت أنديرا حياتها ثمناً لهذا الاختيار، إذ اغتيلت في 31 أكتوبر عام 1984، لكن سيرتها لاتزال حية في الهند وخارجها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية