x

مي عزام درس الانتخابات.. هل يفهمه النظام؟ مي عزام الأربعاء 21-10-2015 21:23


انقسمت ردود أفعال المصريين حول ضعف الحضور فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب. المعارضون للسياسات الحالية وجدوها فرصة للنقد اللاذع والسخرية، واعتبروها دليلاً على فشل النظام وتراجع شعبية السيسى، أما مؤيدو النظام ومحبو السيسى فوجدوها فرصة لنقد الشعب الذى لا يعرف مصلحته وسيلقى بالبلد فى التهلكة، على حد قول بعضهم، وما بين الجناحين: المنتفعون من النظام والحانقون عليه، تقف أغلبية تشاهد وتتابع ما يحدث وكأنه عرض سينمائى لا ناقة لها فيه ولا جمل، وقد نفضت يديها من المشاركة بعدما وجدت أن لا أحد يستدعيها إلا من أجل مصلحة تخصه ولا تخصها.

فى البداية يجب أن نتفق على أن المصريين جميعا لهم نفس الحقوق والواجبات طالما كانوا ملتزمين بقوانين البلاد ولم يتورطوا فى أفعال يجرمها القانون، وهذا الجمع الحاشد من المصريين عالقون فى مركب واحد، ثقب صغير فيه يمكن أن يغرقه ولا ينجو منه أحد، فالشر يعم والخير يخص.

فى هذه الفترة التى نعيشها، يبدو للجميع أن الخطر الداهم الذى يهدد مصر هو الحرب على الإرهاب والمؤامرات الخارجية التى تستهدف أمننا القومى وحدودنا التاريخية، وهذا صحيح، ولكن مثل هذه الأخطار قد تجمع الشعوب وتجعلها تلتف حول قادتها وتؤيدهم، مثلما حدث مع بوش بعد 11 سبتمبر، وأولاند بعد حادث شارل إبدو، وما حدث معنا حين تحلقنا جميعا حول السيسى بعد ضربات الإرهاب، الأمن والأمان يصبحان فى مقدمة الأولويات، وتتحمل الشعوب الضغوط الناتجة عن ذلك فى انتظار أن تنقشع الغمة وتستقر الأمور وتعود الحياة لطبيعتها، وتبدأ فى تقييم حكامها، ليس كقادة حرب، ولكن كرعاة مسؤولين عن إدارة مقدرات البلاد على الوجه الأمثل، بهدف تحسين حياة الشعب وتحقيق الرفاهية والسعادة له، لكن الخطر الأعظم من الإرهاب أن تفقد الشعوب ثقتها فى قادتها وقدرتهم على تحسين حياتها والخدمات التى تقدم إليها وأن تكون سعادة الشعب هدف الحاكم.

تعامل الشعب المصرى مع الفريق عبدالفتاح السيسى إبان ثورة 30 يونيو باعتباره البطل المخلص الذى يمكنه أن ينقذهم من براثن دولة الإخوان التى كادت تلتهم هوية الشعب، ولكن الآن الأمر تغير، فهو رئيس مدنى جاء بعد ثورتين غيرتا الكثير فى تركيبة الشخصية المصرية، فهى لم تعد الحمولة الصبورة كما كانت من قبل، ولم تعد قادرة على أن تعطى للرئيس سبعين عذرا كما كان يحدث.

بعيدا عن تقييم مشكلة العزوف وضعف المشاركة السياسية، وبعيدا عن لغة الشماتة والتشفى فى النظام أو تبرير ما حدث، يجب على النظام أن يتعامل مع المشكلة بواقعية، إذا كان يفكر فى الاحتفاظ بالسلطة بشكل ديمقراطى بدون الاعتماد على أساليب شمولية خفية، وهذا يتطلب من الرئيس الإسراع بتشكيل هيئة مساعديه ومستشاريه لإعادة ترتيب دواوين القصر الرئاسى والمراكز الخاصة بتقديم المعلومات ودعم صنع القرار، لأن الرسالة الأهم التى أراد الشعب توصيلها أن العاطفة تجاه شخص الرئيس وحدها لا تكفى، لأن الناس تحاسبه الآن على أجندة سياسية ومطالب اجتماعية واقتصادية، ولا تحاسبه باعتباره مجرد مواطن فرد يؤيدونه أو يعارضونه حبا أو كراهية، وكذلك فإن الحساب يجب ألا يقتصر على دوره كجندى فى معركة الإرهاب، فالأمن وحده لا يكفى لحياة الشعوب، بالتأكيد هو الأساس وبداية أى تجمع إنسانى لكن يجب أن تتبعه خطوات فى توفير مقومات الحياة الإنسانية الكريمة وتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وفقا للعقد الاجتماعى الذى يعبر عنه ويمثله الدستور. وإذا كان هذا العقد قد تعرض مؤخرا لشكوك وتلميحات بعدم أهميته من جانب النظام نفسه، فمن المنطقى تفسير رد فعل الشعب باعتباره احتجاجا على الإخلال بالعقد الذى جمع أغلبية الوطن فى مظاهرات حاشدة أدت إلى وضع خريطة الطريق.

لهذا يجب أن يفكر الرئيس فى الوسائل التى تعيد الاعتبار لهذا العقد أو يفسخه إذا رأى أن الزمن تجاوزه، وأن كتابته كانت بحسن نية لا تليق بالفترة المقبلة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية