x

عادل نعمان أحفاد الحجاج والثوب الأسود! عادل نعمان الأربعاء 20-01-2016 21:36


لا أدرى لماذا أستدعى شخصية الحجاج كلما مرت بنا لحظات قهر وظلم؟ ولماذا يستحضره الخاطر والبال كلما هم هؤلاء بحبس مفكر أو مبدع بتهمة ازدراء الأديان أو الردة أو الزندقة؟ فلم يكن هو أو غيره باحثين عن إعلاء كلمة الله بظلمهم وبطشهم بالعباد، لكنهم باحثون عن توطيد حكم من كانوا فى ركابهم، باحثون عن مجد زائل تحت عزهم ولوائهم، فظلموا وغالوا فى الظلم، واتهموا الناس بالباطل وبالكفر، وقد كان من اكتوى بظلمهم أقرب إلى الله منهم. المؤيدون للقهر والظلم فى تاريخنا، يبحثون له عن ومضة مضيئة، غفراناً له عن جرائمه، فقالوا إنه لم يشرب الخمر طوال حياته، وأول من أذن بتنقيط وتشكيل وتبويب المصحف، وكم كانت له بصمات من الخير تعلو على ظلم بنى أمية، حتى إنهم اعتبروا موته ليلة القدر دليلاً على حسن خاتمته. ولما بحثوا له عن قول طيب على لسان الخليفة عمر بن عبدالعزيز تمسكوا بما قاله من أنه يحسد الحجاج على حبه القرآن وتمسك أهله به، وتناسوا وأغفلوا قولته (إنه يبغض الحجاج عدو الله)، ولا أدرى كيف يقول عمر بن عبدالعزيز هذا عن أهل الحجاج، وبعد أن يتولى الخلافة ينفى أسرته واهله إلى اليمن ويكتب إلى واليها: «أبعث إليك بآل أبى عقيل (يقصد الحجاج)، وهم شر بيت فى العرب، ففرقهم فى ولايتك». المهم أن هؤلاء يبحثون فى تاريخ الطغاة الذين يشبهونهم فى القهر والظلم عن نقطة بيضاء فى ثوبهم الأسود، فقد تضىء بعضاً من جوانبه المظلمة، أو يستدل بها يوماً قادماً عليه. ابن كثير فى مقدمته يحاول أن ينصف الحجاج فيقول: «إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، فقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطى على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك إلا القليل»، وكأن آلاف القتلى وملايين المقهورين فى عهده الميمون وجب عليهم أن يستتروا خلف عطاياه لقارئ القرآن يوم القيامة!! هكذا يكون الكيل للظالمين.

الحجاج يخلط بين سنده فى القتل والتأديب، كما يخطئ أصحابنا فى الدليل، فيبحث فى تاريخ الرسول عن سند يدعمه فى القتل والتعذيب فيسأل الصحابى أنس بن مالك عن أشد عقوبة للرسول عاقب بها أعداءه، فيقص عليه قصة جماعة من عرينة جاءوا إلى النبى فى عام الوفود، فلما استوخموا الأرض نصحهم بالذهاب إلى الوادى بصحبة الإبل وراعيها للتريض، فقتلوا الصبى وسرقوا الإبل، فأرسل الرسول مَن أتى بهم. فلما جىء بهم، أمر أن تُقطع أيديهم وأرجلهم وتفقأ أعينهم وأن يُصلبوا فى الصحراء حتى يموتوا. عندئذ يفرح الحجاج بالنصر والفرج ويعتلى المنبر ليؤكد للناس أنه ليس شديد العقوبة كما يزعمون. يتناسى الحجاج كما يتناسى أصحابنا الذين يستمدون من الروايات سبيلاً إلى القتل، أن عقوبة قطع الأيدى والأرجل من خلاف وسمل العين والصلب كانت قبل نزول الحكم فى القرآن، وكانت عقوبة سنتها العرب على قاطع الطريق، وهى عقوبة شخصية على فعل القتل المقترن بالسرقة، لكن الظالم باحث فى تاريخ أجداده عن سند للسبى والحرق وحز الرقاب وتطبيق الخاص على العام، ويظلون فى بحثهم يعمهون.

الباحثون عن أسانيد للقتل وللظلم سيجدونها تتمدد وتتلوى فى تاريخنا عارية للامتثال والقبول فى كثير، والباحثون عن العدل والحرية يجدونها أيضاً تتمدد أمامهم تغريهم على قبولها والرضا بها فى القليل، وما عليهم إلا الاختيار بين طريق واسع من الظلم مقنن، وطريق ضيق فيه الخير مقنن أيضاً. لو كان الحجاج فى داخله باحثاً عن تقويم الناس بالعدل لذهب إلى بيوته الضيقة، لكنه باحث عن وجهة رحبة فسيحة، ووجد فيها ضالته.

الملاحظ أن تاريخنا العربى مزيف ومنحول، كتبه المؤرخون بأقلام ومداد الحكام، يمليه الحاكم بلغته ويكتبها النساخ على الهوى والطرب، تاريخنا مغلوط وزائف ومغشوش وملفق، الحقيقة فيه مسجونة خلف القضبان، ولن تجد فى هذا مثالاً أصدق من سيرة الحجاج، يصوره بعضهم أنه كان ظلوماً، جباراً خبيثاً سفاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن وهذا مغفور له عند أهل السنة، فهم باحثون له عن فضيلة وسط رذائله وجبروته وظلمه، لأنه قاتل الشيعة الذين خرجوا عن بنى أمية، والمنافسين على الحكم. والشيعة يبغضونه لتنكيله بآل بيت النبى، وتشريدهم وقتلهم فى الأمصار. الكل قال فيه الكثير. أهل السنة يرونه فاسقاً لكنه لا يدخل النار على فعله، كما قالوا من قبل عن معاوية، فهو إمام الفئة الباغية، لكنه اجتهد وأخطأ ولا إثم عليه، ومغفور له، ولن يحاسب على ظلمه. لا أعرف أين سنجد الظالمين فى تاريخنا إذا كان أئمتهم وقياداتهم منتهاهم ليس إلى النار كما يقولون. أعطونى مثالاً واحداً أميناً فى كتابة تاريخنا العربى أقل لكم من الظالم ومن المظلوم.. وآهٍ من تاريخ حين يكتبه الطغاة، فالظالم فيه التقى الورع والمظلوم إلى النار. قسماً بعد مائة عام، سيعتلى قبور الدواعش المداحون والمريدون والمزورون.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية