x

نادين عبدالله جدل الحجاب! نادين عبدالله الثلاثاء 28-04-2015 22:06


أثارت قضية خلع الحجاب، التى أطلقها عدد محدود من المثقفين جدلاً واسعًا على الساحة المصرية. والحقيقة هى أنه من المدهش أن يصير أمر من صميم الحرية الشخصية للمرأة موضوعًا للجدل العام فى حين أن القضايا العامة التى ينزف منها المجتمع كالفقر والجهل ليست من الأصل محل حوار جاد. وعلى كل فإن إثارة هذه الفقاعة ليست، من وجهة نظرنا، سوى انعكاس لخلل ثلاثى الأبعاد يعانى منه جزء غير قليل من النخب المصرية. أما الخلل الأول، فيتعلق بالاتساق مع النفس، فالليبرالية تعنى بالأساس احترام الحريات، بما يعنى ضمان حق كل مواطن فى اختيار ما يناسبه وترك ما لا يقتنع به. فالإنسان خلق حرًا ولا تنتهى حريته إلا حين تمس حريات الآخرين. وبناءً عليه، فإن من حق كل امرأة راشدة أن تختار ارتداء ما تراه مناسبًا لها، ومن ثم فإن أشياء من قبيل «مليونية خلع الحجاب» أو «مليونية وضع الحجاب» ليست سوى أمور ترفضها الفطرة الإنسانية الطبيعية.

أما الخلل الثانى، فيخص عدم القدرة على تقديم خطاب يتفهم التيار الرئيسى للمجتمع الـ main stream، وإن لم يكن مضطرًا للتماهى معه فى كل شىء. فقد تبارى الكثيرون منهم فى تقديم خطاب استعلائى وصادم، متناسين أن معيار النجاح يكمن فى تقديم رؤى «تغييرية هادئة» قادرة على نقل المجتمع نقلة ولو صغيرة إلى الأمام بدلاً من تقديم رؤى «صادمة» له فيظلون على هامشه وغير قادرين على التأثير فيه. والحقيقة هى أن مبادئ الليبرالية المتعلقة باحترام حريات الآخرين ليست غريبة عن المواطن، بل يعيشها بعضهم فى صورة قيم بسيطة يؤمنون بها بطريقة فطرية، ويتمنون فقط أن يأتى من يعبر عنها، مبتكراً بشىء من الخيال «ليبرالية تصالحية» تعبر عن روح المجتمع وتنطلق منها فى أطروحاتها، بدلا من أن تفرض عليه قناعتها بشكل قسرى.

أما الخلل الثالث فيتعلق بعدم قدرة هذه النخب على التواصل مع الناس، وإقناعهم بأفكارهم أيا كانت. فهم يستسهلون التحليق، ولا يخجلون من انفصالهم المستمر عن الواقع. وبدلا من أن يرهقوا ذواتهم فى النزول للناس، التفاعل مع مشكلاتهم اليومية، الاندماج معهم فى مشروعات اجتماعية، فإنهم يستسهلون إطلاق «الفقاعات» الهوياتية فى صيغ تنويرية. والحقيقة هى أن الإسلاميين كانوا أكثر ذكاءً لأنهم أختاروا التعامل مع اهتمامات المواطن الاجتماعية، وتفاعلوا معه دون استعلاء على احتياجاته.

وفى وسط هذا وذاك دس الكثير منهم السم فى العسل حيث جلسات غسيل المخ الدينى وفرض أفكار بعينها رغم كونها أساسًا جزءًا من الاختيارات الشخصية. ويبدو أن مثل هذه النخب لا تتعلم أبدًا من أخطائها، فهى لا تكل من الدخول فى معارك خاسرة، بدأها بعضهم سابقًا بمعركة «الدولة المدنية» وأنهوها حاليًا بدعوة «خلع الحجاب»- كل هذا رغم أن المعركة الحقيقية المتمثلة فى جذب المجتمع فى صف هذه النخب مازالت معلقة، إن لم تكن غائبة. وهنا تحديدًا يكمن الخطر الحقيقى من وجهة نظرنا، لأن «المجتمع المدنى» هو الذى سيصنع «الدولة المدنية»، وليس العكس، وهو إن صدق هذه النخب الداعية للحرية ووثق بها، لن يتوانى فى الدفاع بنفسه عن حقه فى الاختيار.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية