x

مي عزام استاكوزا.. السيطرة على الآخر (2) مي عزام الأحد 17-01-2016 21:16


في كل لحظة من لحظات حياتنا نعيش تحت مظلة سلطة ما تسيطر علينا، يمكن أن تكون في لحظة مسيطرا وأخرى تحت السيطرة، في البيت، في العمل، في الشارع، في الجامع أو الكنيسة أو المعبد، في الميدان، في القهوة على ناصية الشارع الذي تسكن فيه، ليس هناك تعريف محدد للسلطة التي تسيطر عليك، الرجل المصرى يطلق على زوجته «الحكومة» بمعنى أنها تسيطرعليه في البيت وتراقبه بالخارج.

المجتمع سلطة، والحكومة سلطة، والنظام سلطة حتى حارس العقار الذي تسكن فيه سلطة، يمكنك أن تراقبه وهو يسأل بجدية وريبة أي زائر مجهول يدخل من باب العمارة، وكيف يتعامل على أنه نائب السكان في الحفاظ على الأمن والأمان.

أعمال أدبية وفنية كثيرة تحدثت عن السيطرة والسلطة القمعية، أصبحت عبارة «الأخ الكبير يراقبك» المأخوذة عن رواية أورويل ( 1984 ) مصطلح متداول على ألسنة الجميع، كلما أردنا أن نعبر عن التجسس على الإنسان لأحكام السيطرة على حياته العامة.... وحياته الخاصة.

حياتنا الخاصة والخاصة جدا، علاقتنا بالآخر رفيق الحياة وشريك العمر، أكثر العلاقات تأثيرا على الإنسان وارتباطا بذاته، المرايا التي يرى فيها حقيقته دون ادعاء أو تكلف، والواحة التي يلجأ إليها كلما اشـتدت عليه عواصف الحياة، ماذا لو أصبحت هي الأخرى تحت السيطرة والمراقبة؟ كيف لو أصبح المجتمع يختار معك وبالنيابة عنك حياتك ويدفعك لشريك لتقضى معه باقى عمرك تحت مراقبة الأجهزة التي تتابعك باهتمام، ماذا لو وجد المجتمع أن وحدتك خطر عليه، ولذا يجب أن تكون دائما وأبدا لك شريك، وفى حال رفضك ستصبح حيوانا، هنا فقط يسمح لك باختيار الحيوان الذي تفضل أن تكون على صورته حين ينتهى وقتك المحدد للحصول على شريك حياة.

السطور الأخيرة هي رؤية فيلم جراد البحر the lobster (استاكوزا ) للمخرج اليونانى المتميز بأعماله غير العادية التي تخلط الواقع بالخيال، وتصل إلى حد السريالية، المخرج يورجس لانتيموس يشارك دائما في كتابة أفلامه فهو صاحب رؤية خاصة عن السلطة وعلاقتها بالفرد، وكان هذا واضح في فيلمه الشهير «ناب» المنتج عام 2009.

لماذا جراد البحر؟ لأن الاستاكوزا الحيوان الذي اختاره البطل ديفيد ليتحول إليه، فهو يعيش طويلا ويحتفظ بقوته الجنسية حتى الممات ودمه أزرق مثل دم النبلاء على حد وصفه لمديرة الفندق، اختيار يدل على التفرد.

يقدم لنا لانتيموس عالما يرفض الوحدانية، يقرر أن الناس لا تعيش إلا أزواجا، وكل من توفي صاحبه أو تركه، يجبر على العيش في فندق العزاب، تشرف مديرة الفندق وزوجها على إعادة تأهيل العزاب والعازبات، ليدركوا قيمة الحياة الزوجية، حياتهم تصبح عدا تنازليا يتوقف إذا ما وجد أحدهم رفيقا جديدًا لحياته يمنحه الحق في العودة إلى المدينة، أما إذا ما انتهى العد، فهي نهاية وجوده البشري، يختار أي حيوان يشاء ليتحول إليه، تتوسع القواعد وتمتد التفاصيل مع تواجد دايفيد في الفندق، وعدم قدرته على الحصول على شريكه، حتى إنه يتقدم في آحر يوم له في الفندق لأكثر نساء الفندق تبلدا في مشاعرها، وينتهى به الأمر لأن يقتلها ويهرب من الفندق إلى الغابة الملاصقة له، والتى يوجد بها المطاريد (الرجال والنساء الذين يفضلون الوحدة ويصبحون ضد المجتمع ومسموح بقتلهم)، عالم جديد أكثر توحشا، قواعده نقيضة تلك التي في الفندق، ففي الغابة، يتوجب على المرء ألا يقع في الحب، وألا يراقص أحدا أو يشترك معه في سماع الموسيقى أو يبادله قبلة وإلا تعرض للعقاب بدنى مروع، إنه ألم الفرادى The loners! وبين العالمين، يبحث دايفيد عن ذاته، يحاول أن يعبر عن وجود عاجز عن التقولب، عاجز عن التكيف مع شريعة الغابة، ومع قواعد الفندق الصارمة.

كل من زعيمة الغابة ذات الوجه الصارم، ومديرة الفندق البرجماتية المدعية، يمارس السيطرة على أتباعه.

المتمردون والنظام وجهان لعملة واحدة، وديفيد الإنسان الذي يحاول أن يعيش وفق رؤيته الذاتية بعيدا عن السيطرة والأنماط المعتادة، لا يقبل الاختيار بين السيئ والأسوء، خاصة بعد أن تعرف بحب عمره صديقة تعيش معه في الغابة يتعلق بها وتبادله الحب، ويقرر أن يجد لنفسه اختيارا ثالثا وهو مستعد تماما أن يتحمل تبعاته، تحدى زعيمة «الوحيدين».

ويضع خطة للهرب مع حبيبته من الغابة إلى المدينة ليعيشا كزوجين، ولكن زعيمة الفرادى تعلم بالخطة وتخدع صديقته وتجرى لها عملية تفقد بعدها البصر.

لا يغير هذا الأمر من موقف ديفيد، بل يسير في خطته ويضيف إليها ضحيته بعينيه من أجل الحب والاستمرار مع رفيقته.

بعد مشاهدتى للفيلم، شعرت وكأننى استيقظ من حلم أعادنى للواقع، هل نحن في مصر بعيدين عن أزمة ديفيد؟ ألم نقف طويلا كشعب في نفس الموقف مجبرين على الاختيار بين السيئ والأسوء؟.

لكننا للأسف لم نستطع مثله أن نجد طريقا ثالثا، لكن هل كنا مستعدون للتضحية مقابل هذا الاختيار الثالث؟ أم أن الأسهل أن نعطى قيادنا لسلطة مقابل الحماية تحت مظلة الجموع؟ ونعترف ببساطة أننا نختار بمحض إرادتنا ونحن في كامل قوانا العقلية أن نكون تحت السيطرة.

وللحديث عن الآخر بقية ...

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية