x

مي عزام كهنة الثقافة.... والمثقفون (3) مي عزام الإثنين 11-01-2016 23:27


هل الثقافة نشاط يحتاج لوزارة تقوم به؟ أم أن الهدف من تأسيس وزارة ثقافة في بلد ما في عصر ما يكون محدد بأهداف معينة، تنتهى بانتهاء أهدافها وتحقيق مرادها أو تستمر لنجاحها في تحقيق هذه الأهداف، وهل وجود وزارة للثقافة دليل على وجود مثقفين والعكس صحيح أن وجود مثقفين مرتبط بوزارة؟

ذلك ينقلنا إلى نفس فكرة وجود مؤسسات دينية، هل وجودها مرتبط بالإيمان بالله وبرسالة السماء، أم أنه هذه المؤسسات لها دور سلطوى في المجتمع له أهداف محددة مرتبطة بنظام الدولة للتحكم بصورة أو بأخرى في عامة الشعب. مثل هذه المؤسسات وجدت بعد زمن طويل من وجود الدين نفسه، بمرور الزمن كان هناك حاجة لرجال يفسرون الدين ويفقهون الناس فيه ويفتون في أمور الدين بما يواكب أمور الدنيا، فتحول هؤلاء لحراس للدين وتحولوا لمؤسسات قوية ونافذة، وهو ماحدث مع وزارة الثقافة التي بدأت بهدف توسيع قاعدة انتشار الأنشطة الثقافية وانتهى الأمر بأن أصبحت مفرخا لموظفين يطلقون على أنفسهم رجال الثقافة وتجاوزا «مثقفون».

************

في خريف عام 1960، كانت فرنسا تعيش أجواء حربها الوحشية ضد جبهة التحرير في الجزائر، وكان للمثقفون الفرنسيون موقف مخالف للحكومة الفرنسية، في ذلك الوقت وقع 121 مثقفاً فرنسياً بيانا عرف ببيان (121) وتزامن مع محاكمة الفيلسوف الفرنسى فرانسيس جونسون مؤسس شبكة «حاملى الحقائب» التي كانت تقدم مساعدات متنوعة لجبهة التحرير الجزائرية واعتبرت معادية لفرنسا وتمت إدانة جونسون والحكم عليه بعشر سنوات وكذلك أعضاء الشبكة.

البيان وقعه جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وبيار بولي وروني دومون وفرانسوا شاتلي وسيمون سينيوريه، ومارجريت دوراس وكلود سيمون الحائز في ما بعد جائزة نوبل للآداب وغيرهم وكان يساند حق العصيان في حرب الجزائر كما ندد بالحرب التي لا تحمل اسما، على حد تعبيرهم.

كان للبيان وقع الصاعقة، فجميع الأحزاب الفرنسية الموالية للحكومة والمعارضة بما في ذلك الاشتراكية والشيوعية، كانت تساند هذه الحرب. وانفجر غضب الجنرال ديجول رئيس الجمهورية حينذاك من هذا البيان المحرج له ولحكومته.

بعد ذلك بسنوات، اقترح بعض مستشاريّ ديجول اعتقال سارتر، لأنه على حد قولهم: يحرّض الطلاب والعمال على التظاهر، (يقصدون انتفاضة الطلاب في فرنسا والمتمثلة في مظاهرات 1968)، وهذا من شأنه إحداث قلاقل، لكن الجنرال ديجول رفض اعتقال سارتر وقال لهم بحزم: إنكم بهذا تريدونني أن أعتقل فرنسا بكاملها.

المثقف الحقيقى يساهم في تغير الواقع السيئ الذي يعيشه على قدر طاقته، بالكلمة والفعل والتظاهر، يعبر عن وجهة نظره، وحين ينقد نظام الحكم لا يكون هدفه مصلحة ذاتية أو الحصول على غنيمة ولكن هدفه الصالح العام، هدف البناء وليس الهدم. المثقف مخلص للحياة وقيمها.

***********

بعد أكثر من نصف قرن على تأسيس وزارة الثقافة نجد وزير الثقافة حلمى النمنم يخلط بين المنتج الثقافى والثقافة كأسلوب حياة وتطور في الوعى وميراث حضارى، فيصف الوزير حلمى النمنم في حواره مع «المصرى اليوم» والذى نشر الجمعة الماضى (8 يناير) فاروق حسنى بأنه وزير ثقافة أثرى الثقافة المصرية، ولا أعرف ما هو الأثراء من وجهة نظره؟؟

وأن السيدة سوزان مبارك، كان لها دور في الثقافة لا أحد ينكره، وهو بالتأكيد يقصد مكتبة الأسرة التي أنتجت ملايين الكتب المتراكمة بمخازن هيئة الكتاب ولم تثمر شيئا في عقول الشباب المصرى.

وحين سألته الزميلة سحر المليجى: البعض يعيب على الوزارة عدم توافر رؤية خاصة بها، فلا يوجد استراتيجية للوزراء في ظل تغييرات وزارية بلغت 12 وزارة خلال 5 سنوات؟

رد قائلا: هناك رؤية عامة لكل وزراء الثقافة، وهى استمرار تنظيم معرض الكتاب، واستمرار فعاليات الوزارة، المؤتمرات والأنشطة، واستمرار حركة النشر، وجوائز الدولة، لكن تختلف السياسات الخاصة لكل وزير في التنفيذ.

الوزير يرى أن رؤية الوزارة هي الإبقاء على الأجندة المعتادة والفعاليات بغض النظر عن مردود هذه الفعاليات تماما مثل احتفال وزارة الأوقاف بالسنة الهجرية والمولد النبوى الشريف.

ورد النمنم على سؤال حول: تصريحه عقب توليه الوزارة «أنا مكلف بمحاربة الإرهاب بالثقافة وتجديد الخطاب الدينى والثقافى، وتحقيق التنمية الثقافية، خلال شهرين» ما الذي حققته؟

أجاب النمنم: أطلقنا قوافل تنويرية من هيئة قصور الثقافة، في جامعات المنيا وأسيوط، وسوهاج، فضلا عن الانتهاء من حل مشكلة عدد من قصور الثقافة؛ وسيتم افتتاح قصور ثقافة حلايب وشلاتين وأبورماد، كما نرى أنه ينبغى أن نخرج بالأوبرا خارج القاهرة، وبالفعل بدأنا في إقامة دار أوبرا الأقصر.

تفكير وزير الثقافة لا يختلف كثيرا عن تفكير خطيب الجمعة، وخطة وزارة الأوقاف والأزهر في محاربة الإرهاب وتجديد الخطاب الدينى، فثلاثتهم يتحدث عن خطط ورؤى لا تمت للواقع بصلة، فالواقع أيها السادة يصنع خطابه، وطالما لم نجتهد في وضع تصور نغير على أساسه الواقع، وطالما لم نتفق على تغيير الواقع أصلا، يبقى الحال على ما هو عليه، ويظل لدينا رجال ثقافة ورجال دين يضعون الخطط.. ولكن المثقفين والمؤمنين الحقيقيين هم الذين سيغيرون الواقع .

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية