لماذا؟ سألت نفسى يوما، لماذا بدأ آدم خلافته على الأرض بمعصية الأمر الإلهى، لماذا بدأ تاريخ الإنسانية بجريمة قتل؟ لماذا سمح الله لقابيل بقتل شقيقه الطيب، لماذا لم يتدخل ليمنعه من فعلته النكراء التي لم تتوقف حتى لحظتنا الراهنة؟
هل أراد الله أن يجعلنا نتدبر ونتفكر في الأمثلة التي قصها علينا الأنبياء، ليعلمونا أن بدايتنا الإنسانية تبدأ بالخطأ وليس الصواب، تماما مثل مرحلة الطفولة المليئة بالأخطاء في الكلام والحركة والأفعال وهى أكثر المراحل التي يتعلم منها الإنسان.
يتساءل الأطفال ببراءتهم المعهودة: لماذا خلق الله الذباب والحشرات المؤذية؟، ولماذا لا يقضى على الفيروسات والميكروبات التي تصيبنا بالأمراض وتحصد أرواح الملايين؟، أليس الله بقادر على أن يهيئ للناس جميعا حياة هانئة؟ فلماذا هذه الحروب ولماذا هذه الوحشية ولماذا هذا الاستبداد؟
لماذا هذه الرحلة الطويلة الصعبة وأقدارنا مكتوبة على جباهنا منذ بدء الخليقة، يعلم الله الطيب منا والخبيث، لماذا الاختبار وهو يعرف نتيجة الامتحان؟.
لماذا؟ سؤال يبحث عن إجابة، الإجابة تتغير طوال الوقت والبحث هو المهم. الحضارة الإنسانية رحلة فضول وبحث عن الأسباب وهو الأمر الذي ينتهى بالاختراعات والابتكارات والاكتشافات المذهلة على مدى التاريخ، في بداية الخليقة كانت مشكلة قابيل كيف يخفى جثة أخيه وليس تأنيب الضمير، وحين علمه الغراب الدفن حلت المشكلة.
لا أحد يسعى لحل ما هو ليس مشكلة، ولا توجد مشكلة بدون حل، تعجبنى لعبة السوليتير، عند فشلى في حلها من أول مرة يكون لدى فرصة ثانية لإيجاد الحل، فهى مصممة لتحل، وعلى اللاعب أن يفكر في تغيير طريقته في اللعب ليجد طريقه في النهاية.
هكذا هي الحياة، عليك أن تحدد مشاكلك وتسعى لإيجاد حلول لها وإن لم تنجح في أول مرة عليك أن تحاول بطريقة ثانية وثالثة ولا يصيبك اليأس أبدا، فالحياة ليست متاهة، ولكنها أحجية تنتظر الحصيف ليحلها.. والحل يكمن في معرفة جذور المشكلة وتحليلها.
العقلية العربية عقلية غير تحليلية، لا تبحث عن البدايات، فالبدايات عندنا محسومة «فهى من عند الله»، والفلسفة لدينا سبة «إنت هتتفلسف بقى» ولذلك نسير في دوائر مغلقة للحل لا نخرج منها إلا لنعود لنقطة الصفر من جديد.
مصر من عقود طويلة ومشاكلها الأساسية معروفة: الزيادة السكانية، تدهور منظومة التعليم، عجز الميزانية المزمن، البطالة، سوء الخدمات الحكومية المقدمة: صحة، طرق، مواصلات، مياه شرب، صرف صحى.. الخ.
تعاقب علينا رؤساء وحكومات وعدوا بحلول فعالة ونهائية وطالبوا الشعب بالصبر حتى نفد دون أن يظهر في الأفق بريق أمل.
الأنظمة والحكومات فشلت في إيجاد الحل الصحيح ولكن بدلا من تحليل جذور المشاكل، وهو دور الفلسفة، كنا نعالج الأعراض، ننجح مرة بحظ المبتدئ ونفشل مرات لأننا نظل على نفس النهج القديم مع تقديم روشتة علاج قديمة لكن بأسماء أدوية جديدة.
أعتقد أن المسؤولين في مصر نوعان: الأول لا يعرف حل المشكلة والثانى لا يريد حلها على طريقة إبراهيم السباك الذي قال لى مرة ممازحا: «لو صلحت الحوض بضمير يا مدام حضرتك مش هتطلبينى تانى ها ها ها».
بقاء المشاكل يمكن أن يكون حلا عند البعض ومغنما للبعض الآخر. لكن ما هي مشكلتنا الأساسية؟ أعتقد أنها في المقام الأول طريقتنا في التفكير ومفاهيمنا في العمل. في العهدين الملكى والجمهورى، لم تعرف مصر العدالة ولا المساواة بين أفراد الشعب، كان هناك دائما طبقات مستثناة: الأمراء والإقطاعيون في عهد الملك، وكبار الضباط ورجال الدولة بعد الثورة.
ثورة يوليو كان لها في البداية أعداء، وهو ما جعل عبدالناصر يعتمد على أهل الثقة وليس أهل الخبرة، ولكن بعد 64 سنة على ثورة يوليو وبعد 5 سنوات على ثورة يناير مازال هذا الاختيار قائما، وهو من الأسباب الأساسية في عجزنا عن حل مشاكلنا.
العدل، المساواة، تطبيق القانون دون أي استثناء، اختيار الأكفاء وليس الأتباع، الحرية، الديموقراطية... إنها البداية الصحيحة لحل مشاكل مصر.
لا تسألنى عن كلمة Incunabula التي عنونت بها المقال، ابحث عن معناها في القاموس، ستجد المعنى ولن تنساه.. وربما يفيدك.