x

أنور الهواري أزمةُ الإخوان: محنةٌ عقليّةٌ بالدرجة الأولى أنور الهواري السبت 15-11-2014 21:22


الإخوانُ فكرةٌ سياسية دينية، تعتمدُ على قوة تنظيمية، تستهدف إنجاز مشروع كونى ضخم، على عدة مراحل، هى بالترتيب: الفرد المسلم، الأسرة المسلمة، المجتمع المسلم، الحكومة المسلمة، الدولة المسلمة، الخلافة الإسلامية، أستاذية العالم.

سبع مراحل متتابعة متتالية، لا تقف عند مرحلة، بل يلزم الوصول إلى نهايتها. ووظيفة التنظيم هى تربية الفرد، تنشئة الأسرة، تأسيس المجتمع، تشكيل الحكومة، هيكلة الدولة، استعادة الخلافة، رفع راية الإسلام على العالمين فى مرحلة الأستاذية التى يجلس فيها العالم مثل التلاميذ يتلقى عن الإسلام المنتصر وعن المسلمين المُتسيدين عليه.

يعتقد الإخوان- دون مناقشة- أن لديهم قوالب جاهزة يصبّون فيها الأفراد ويصهرونهم فيها، يسمونها- بالفعل- محاضن التربية، يدرسون فيها مناهج موحدة، ويتلقنون فيها أفكاراً واحدة، ويرتضون فيها معايير موحدة، ولا يلتفتون لغيرها، ولا يعبأون بسواها، ولا يثقون فى صواب ما دونها، هُم يعتقدون- ببراءة أو بادعاء- أنهم الأفضل والأنقى والأتقى والأطهر، ولا يُداخلُهم شكٌّ أنّهُم ورثةُ النبى الكريم [صلى الله عليه وسلم] وصحابته الميامين، ولديهم اعتقادٌ جازمٌ أن كلمة الله قد انتهت إليهم، وأن أمجاد الدين هى مهمتهم التاريخية، وهى حصريةٌ فيهم دون سواهم.

الإسلامُ- عند الإخوان- ينتشرُ عبر «سُلطان الدولة» وليس عبر «حُرّية الدعوة»، لهذا فهُم ينشغلون بتقوية وتوسيع وحماية «التنظيم» من تجنيد وتمويل وسرّية وتكتيكات سياسية، وكل ما يدخل فى معنى «حيازة القوة على الأرض»، وليس بتحصيل العلم والإيمان والفقه والنور والفكر والثقافة وما يدور حول معنى «إشراق الدين فى القلوب».

الإخوانُ- فى جوهرهم- يمثلون ويجسدون محنة العقل الإسلامى الذى لا يريد- أولاً- أن يصدق أن أشكال الحُكم التى عرفها تاريخُ الإسلام كانت وليدة ظروفها، وكانت تعكس درجة التطور الاجتماعى للشعوب، وأن كافة أشكال الحكم الدينى، من دولة النبى فى المدينة المنورة، إلى دولة بنى أمية فى دمشق، إلى دولة بنى العباس فى بغداد، إلى دولة بنى عثمان فى اسطنبول، كلها قد أدت غرضها، وانتهى زمانُها، ولو كانت فيها قدرة على البقاء ما كانت قد ماتت واندثرت.

وثانياً: فإن الإخوان يجسدون محنة العقل الإسلامى الذى تلتبس عليه وحدة العقيدة، وهى ما لا تتطور بتطور التاريخ، فالأصلُ فى العقائد الثبات لأنها شأنٌ إلهى محضٌ، وأفق سماوى محضٌ، وتنزيل ربانى محضٌ، ولكنها تلتبس عليهم مع الوحدة السياسية للأمة، والتى من شأنها أن تتطور وتتغير وتتوسع وتلتقى وتفترق وتتجمع وتتناثر، فالأمة شأنٌ أرضى صرف، وشأنٌ بشرى صرف، يختلف واقعها اليوم عن واقعها بالأمس.

وثالثاً: لا يُدركُ عقلُ المحنة، الذى يجسده الإخوانُ، حقيقة أن المسلمين- بالعقيدة الدينية- أمة واحدةٌ، يتوحد اعتقادها فى الله وفى الأنبياء وفى الثواب والعقاب والبعث والنشور والحساب بين جنة ونار، وتتوحدُ صوب قبلة واحدة، وإله واحد، وصلوات واحدة، وصيام موحد، وزكوات معلومة، ويحجون إلى البيت العتيق، بمناسك واحدة فى توقيت واحد. وكذلك فإن المسلمين- فى أنحاء الكون- أمة واحدة، بما يؤمنون به من جملة أخلاق جاء بها الإسلام، ومنظومة شرائع استقرّ عليها، وفتح لهم باب الاجتهاد فى استكمال آلة التشريع فى كل عصر. بهذا المعنى- العقائد والأخلاق والشرائع- فإن وحدة المسلمين قائمة، وهى وحدة دينية بالأساس.

رابعاً: يُخيّل لعقل المحنة، الذى يجسده الإخوان، أن الله سوف يبعثنا- يوم القيامة- دولاً وأنظمة وحكومات وتنظيمات وأحزاباً، وليس أفراداً، كما خلقنا أفراداً، وأنه- تعالى- سوف يحاسبنا بالدرجة الأولى على أنشطتنا السياسية وولاءاتنا الحزبية، وأنه سوف يعذبنا عذاباً شديداً إن ابتعدنا عن الخط السياسى الذى بعث الله الإخوان ليسلكوه لنا وليهدونا إياه، هذا التسييس المُفرط للدين ولله وللعقائد وللأخلاق وللشرائع، كل ذلك نابعٌ من انحرافين كبيرين فى عقلية الإخوان:

الانحراف الأول: هو الخلط بين وحدة الأمة العقائدية وبين تعدد الشعوب والحضارات والثقافات والأجناس التى قبلت- عن رضا وطواعية- بشاشة هذا الدين وسماحته، فنحن- بالدين- أمة واحدة، ولكننا بالسياسة أُممٌ شتى، وأوطانٌ شتى، وأجناسٌ شتى، وحضارات شتى، وثقافات شتى، ولكل منا، فى كل القارات، هويته الذاتية، صحيح أن الإسلام بارز فيها، ولكنه ليس كل شىء فيها، ومن هُنا تعددت الدول، وتنوعت الأنظمة السياسية، وهذا هو الطبيعى والواقعى، ولهذا فإن الفقيه الكبير، فضيلة الشيخ محمد الخضرى بك، عُندما انتُدب- من مدرسة القضاء الشرعى- لتدريس تاريخ الإسلام فى الجامعة المصرية عند افتتاحها فى أوائل القرن العشرين- جعل عنوان كتابه: «مُحاضراتٌ فى تاريخ الأمم الإسلامية».

الانحراف الثانى فى عقلية الإخوان: أنهم تزيدوا فى صياغة الإسلام، فجعلوه: عقيدة تنبثق منها شريعة، ينبثق منها نظامٌ سياسى واقتصادى واجتماعى، وهذا الانبثاق الثالث- هو أصل الانحراف- فليس فى الإسلام صياغة مُلزمة بأى لون من ألوان النظم الحاكمة، فقط فيه عموميات ومبادئ لا يختلف عليها أحد. هذا الانحراف فى عقلية الإخوان قد خرج على ما استقرت عليه الخبرةُ الإسلامية، التى عبرّ عنها، وأجملها فى عُمق ورصانة، فضيلةُ الإمام الأكبر، الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر، فى كتابه العظيم: «الإسلام عقيدةٌ وشريعةٌ».

الحديثُ مُستأنفٌ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية