x

د. ياسر عبد العزيز كلام الرئيس.. وأفعاله د. ياسر عبد العزيز السبت 16-01-2016 21:11


فجر أمس الأول الجمعة، داهمت عناصر أمنية ملثمة بيوت أكثر من 20 أستاذاً جامعياً، وألقت القبض عليهم، واقتادتهم إلى أماكن التحقيق.

التهم التى وجهتها السلطات لهؤلاء الأساتذة خطيرة، ويمكن أن تحرمهم من حريتهم لسنوات طويلة، وهى تهم تتضمن «الترويج والدعاية للإرهاب»، و«إهانة مؤسسات الدولة»، و«إهانة الجمهورية».

لا يمثل هؤلاء الأساتذة سوى نسبة قليلة جداً من نحو 1200 أكاديمى قاموا بالتوقيع على عريضة تحمل عنوان «من أجل السلام»، وتطالب السلطات بالكف عن استخدام العنف وقتل المعارضين وسجنهم من دون محاكمات عادلة.

لقد ندد الأساتذة الجامعيون والمثقفون بتلك «الجرائم»، التى ترتكبها قوات الأمن والجيش ضد المدنيين فى مناطق مختلفة من البلاد، وهى الجرائم التى أدت إلى مقتل نحو 170 مدنياً منذ شهر أغسطس الماضى، خصوصاً فى المناطق التى يفرض الجيش فيها حظر التجوال، ويقوم بترحيل آلاف المدنيين من سكانها إلى مناطق أخرى بدعوى «مواجهة الإرهاب».

ورغم أن عدداً من المثقفين والأكاديميين الأجانب البارزين؛ مثل نعوم تشومسكى، انضم لهذه النخبة الأكاديمية، وقام بالتوقيع على العريضة، فإن رئيس الجمهورية اعتبرهم جميعاً «خونة».

نعم «خونة».. هذا هو المصطلح الذى استخدمه الرئيس فى التعبير عن رأيه فى هؤلاء المثقفين، الذين طالبوا بإجراءات قانونية سليمة وعادلة فى مقاربة الاضطرابات الأمنية التى تشهدها البلاد، بل إن الرئيس اتهم هؤلاء المثقفين أيضاً بأنهم «طابور خامس»، ودعا القضاة إلى «الحزم» فى مواجهتهم عبر إصدار «أحكام قضائية رادعة».

ليس هذا فقط، لكن الرئيس الذى أغلق عدداً من وسائل الإعلام، وأوعز لرجال أعمال مقربين منه بشراء عدد آخر منها، وتقوم السلطات التابعة له بمراقبة التفاعلات على وسائط التواصل الاجتماعى، وتغلق بعضها، يريد أيضاً أن يجرى تعديلات دستورية تزيد من صلاحياته وتخصم من صلاحيات البرلمان.

يقول نقاد الرئيس إنه لم يعد يفرق بين من ينتقد أداءه وأداء حكومته، وبين من يهاجم الدولة أو «يخونها»، ورغم تورط بعض أنجاله ورجاله المقربين فى قضايا فساد، فإنه يصر على أن أى حديث فى مثل هذه الأمور لا يستهدف سوى «إسقاط الجمهورية».

الرئيس طبعاً هو رجب طيب أردوجان.. والجمهورية هى تركيا.

الغريب أن معظم ما يدعى أردوجان أنه يهاجم الحكومة المصرية بسببه يفعله هو بامتياز، والأكثر غرابة أن الذين يهاجمون الحكومة والدولة فى مصر، ويؤيدون أردوجان أو يعيشون فى كنفه وينطلقون من منصاته، لا يلتفتون إلى ذلك.

إن الحكومة المصرية تنتهك حقوق الإنسان، وتقمع حرية التعبير، ولا تحارب الفساد على نحو مقبول، وترد دلائل وإشارات عديدة على أنها «تقتل وتحتجز خارج سلطة القانون»، تذرعاً بـ«محاربة الإرهاب»، الذى يستهدفها ويستهدف المواطن المصرى، ويفرض عليهما تحديات كبيرة.

لكن الذى يريد أن ينتقد الحكومة المصرية، وأن يدفعها إلى تعديل سياساتها واحترام القانون وحقوق الإنسان، عليه أولاً أن يمتلك الأساس الأخلاقى المناسب لذلك.. وإلا فليصمت.

قبل أيام، اضطر الرئيس التركى أردوجان للتعليق على حادثة إعدام المعارض الشيعى السعودى نمر النمر؛ فقال: «إنه شأن داخلى سعودى».

المجلس الاستراتيجى السعودى- التركى، ومليارات الدولارات التى تدخل الخزينة التركية من عوائد السياحة والتجارة والاستثمار، جعلت إعدام النمر «شأناً داخلياً».

لكن الحرص على دعم «الإخوان» فى مصر، والحقد على «مسار 30 يونيو»، والاستهانة بإرادة المصريين، جعلت من حكم إعدام مرسى، الذى لم ينفذ بعد، «مذبحة للقانون والحقوق الأساسية»، كما قال أردوجان نفسه، فى 16 يونيو الماضى، حين دعا المجتمع الدولى إلى «التحرك من أجل مواجهة أحكام الإعدام التى جاءت بتعليمات من (الانقلاب)».

من جانبى، سأواصل انتقاد كل تجاوز للقانون، وكل انتهاك لحقوق الإنسان فى مصر قبل تركيا وأى بلد آخر فى العالم.

لكن ما أريده هو أن يفعل من ينتقدون «مسار 30 يونيو» ويعادونه الأمر ذاته؛ أى لا يكيلون بمكيالين، ولا يستخدمون معايير مزدوجة.

لا تأمرون الناس بالبر.. وتنسون أنفسكم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية