x

كريمة كمال «لابسين مزيكا» كريمة كمال الأربعاء 13-01-2016 21:27


ألح علىّ بشدة هذا التعبير وأنا أشاهد وقائع الجلسات الأولى للبرلمان المصرى الجديد.. «لابسين مزيكا» تعبير يستخدم لوصف أناس يرتدون ملابس موسيقيين دون أن يعزفوا أى ألحان، وهذا للأسف هو حال البرلمان فى أول ظهور له وحال البرلمانيين أو على الأقل معظمهم فى أول لحظات لهم تحت القبة.. يريدون أن يقولوا لنا نحن نواب الشعب بينما كل مظاهر الأداء تخلو من العزف الحقيقى أو الأداء المفروض والمطلوب.. يرى البعض أن هذا حكم متسرع على برلمان لم يكمل ساعات، لكن الواقع أن طريقة هندسة هذا البرلمان وكل ما شاب تشكيله يجعلنا ندرك أن هذا البرلمان قد تمت «تعبئته» بطريقة تجعل لدينا برلماناً لنؤكد أننا قد استكملنا خريطة الطريق دون أن يكون لدينا برلمان بحق يقوم بدور الرقابة والتشريع.

المشكلة الحقيقية الناجمة عن طريقة ميلاد هذا البرلمان هى أن هذه الطريقة مفتعلة وفيها الكثير من التدخلات مما يجعل الأمر يبدو صوريا.. اللحظات الأولى قد لا تكون كافية للحكم على هذا البرلمان وهؤلاء النواب لكنها ربما تظهر بشكل لا مجال فيه للشك انعدام الخبرة حتى خبرة العمل العام، ناهيك عن خبرة العمل والأداء البرلمانى.. لا أعتقد أن الكثيرين ممن طالبوا بتغيير قوانين الانتخابات وهى مازالت مشروعات قوانين ولم يلتفت لهم والذين دقوا ناقوس الخطر أكثر من مرة محذرين من طريقة تشكيل القوائم على أيدى الأجهزة وتدخل هذه الأجهزة فى الدفع بقائمة محددة وعرقلة القوائم الأخرى وأن هذا الأسلوب لن يأتى بعناصر معبرة عن الشعب، كما أنه لن يأتى بعناصر قوية قادرة على العمل بحق فى برلمان يحتاج الكثير من الخبرات والقدرات.. الاختيارات سواء فى القائمة التى وضعت صورة السيسى منذ اللحظة الأولى وكأنه اعتراف من الذين وراءها بدور الدولة فيها والأدوار التى لعبت ضد القوائم الأخرى كذلك الأدوار التى دفعت بمرشحين من الفردى ولعبت دورا مفضوحا ضد آخرين إلى حد التشهير على شاشات الفضائيات بهم وترويج الأكاذيب ضدهم دون حساب أو عقاب، كل ذلك كان يهدف لتشكيل المجلس على مقاس من قاموا بهندسته بدءا بالقوانين المنظمة للعملية الانتخابية وانتهاء بالتدخلات الفعلية فى اختيار أصحاب الولاءات.

ربما لم نكن فى حاجة فعلية لما قاله حازم عبدالعظيم وتوفيق عكاشة بل مصطفى بكرى حول تشكيل القوائم ودور الأجهزة الأمنية إلا أن هذه الشهادات مهما اختلفت أسبابها وخلفيتها قد كشفت ما هو معلوم، لكن الأسوأ حقا أن حتى هذا الكشف لم يترتب عليه أى شىء وكأنما هو شىء عادى، مما يجعله مستقرا وكأنما هو مقبول.. المهم أن لدينا برلمانا وأنه جاء ليتفادى ما جاء فى الدستور من صلاحيات له هو نفسه وليصبح هذا البرلمان متحكما فيه أو قابلا لذلك على أقل القليل.. ليصبح لدينا جوقة من العازفين لا يقدرون على العزف بل ربما ليس مطلوبا أن يعزفوا فيصبح لدينا عازفون «لابسين مزيكا» ولا يعزفون حقا وبرلمانيون يجلسون فى مقاعد النواب ولا يقومون بدورهم أصلا.

السؤال الذى يفرض نفسه بحق إذا ما كان البرلمان الذى تمت هندسته قد بنى ليقوم بهذا الدور وهو ادعاء أنه يلعب دورا بحق فكيف ستأتى القوانين والتشريعات التى ستصدر عنه ولمصلحة من؟ السخرية والتهكم التى صاحبت الساعات الأولى للبرلمان قد تثير الضحك بينما الواقع أنها يجب أن تثير القلق ليس فقط على أداء هذا البرلمان ولكن على تداعيات هذا الأداء على حياتنا وعلى مصالح فئات كثيرة من المجتمع والسؤال التالى هو: هل إذا ما ضم هذا البرلمان عددا من النواب قادرين على القيام بدور فعلى حقا كنائب للشعب وليس مجرد ارتداء ثوب النائب على طريقة «لابسين مزيكا» هل ستتاح لهم الفرصة فى ظل تشكيلة هذا البرلمان ومحاولة خلق كل شىء فيه؟

المأساة الحقيقية أن مصر عاشت طويلا فى ظل «لابسين مزيكا» الادعاء بوجود حياة ديمقراطية فى ظل أحزاب كارتونية خلقت خلقا لنقول إن لدينا تعددية دون أن تمنح الفرصة للقيام بدور «تلبس مزيكا» ولا تخرج لحنا.. فهل سنظل ندور فى نفس الحالة، نتغنى بالديمقراطية وأن لدينا برلمانا، بينما التدخل فى هذا البرلمان قد بدأ منذ وضع القوانين المنظمة له، ناهيك عن تعبئته بمن تريد الأجهزة وليس ما يفرزه الشارع حقا.. لا تتوقفوا كثيرا أمام الأخطاء الإملائية والسقطات والتلويح للكاميرات والتصريحات البائسة لتضحكوا، فهذا مستقبل وطن دفع ثمنه شعب من خلال ثورتين خرجت فيهما الملايين لتعزف لحنًا حقيقيًّا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية