x

أحمد الدريني برلمان يأجوج ومأجوج! أحمد الدريني الثلاثاء 12-01-2016 21:46


يصعب أن تتوافر كل هذه المعطيات الكوميدية في برلمان واحد، افتتح أولى جلساته بما لا أول له ولا آخر من الهزل والمفارقات المؤسفة.

حتى القرآن الكريم، أخطأ نوابٌ في تلاوة آياته، وكأنهم هندوسٌ أقحاح.

«ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا»..«لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها».. لي أصدقاء مسيحيون يحفظون كلتا الآيتين بأحكام التلاوة!

القضية ليست مزايدةً دينية على النواب، بمقدار ماهو اندهاش كاسح من درجة الجهل العضوض الذي بدأ بأداء اليمين على نحو لو سمعه سيبويه لانصهر كبده حسرةً على لغة الضاد.

ولو كان النواب في عصر غير العصر، لربما ألهبت السياط ظهورهم الكريمة، على ما اعوج من ألسنتهم، التي لووها بالقسم وما هو بقسم.

نائب لا يجيد الحديث بلغة الدولة الرسمية؟ لا يجيد قراءتها؟

كيف أثق أن يتداول هؤلاء بالبحث والمراقبة والتشريع مسائل التعليم وشؤونه؟ كيف والجهل يطفح من الوجنات والقسمات؟

قيل وضع علم النحو ليعرف القاتل من المقتول، أي أن اللغة- في انضباطها والتزام علاماتها- تضع كل شيء في نصابه بحيث لا يختلط معنى ولا يتشوش لفظ ولا يتنازع العقل أكثر من احتمال أو تأويل لما يقال.

فكيف بقامات قانونية، تتولى مهام التشريع- ضمن مهام عدة- يختلط عليها اللفظ، ولا تستقيم اللغة- بمعانيها- في أذهانها؟ كيف يستقيم تشريع من لا يدرك ما يشرع به (اللغة)، وكيف أثق في تشريعه؟

المسألة ليست ترفًا ولا تصيدًا بمقدار ماهي حسرة على جهل لم يبذل أصحابه أدنى الجهد لإخفائه أو تقليل وطأته بحد أدنى.

هل فكر أحدهم في تشكيل اليمين؟ هل سكن أحدهم نهايات كلماته احترامًا لعلم اللغة نفسه؟

لقد تجاسروا على الخوض في الجهل، رافعين ناصبين جارين، كلًا خلافًا لعلامته، دون رفة جفن ولا ارتعادة طرف.

ودلالة الإهمال أشد وطأة على النفس من حقيقة الجهل.

(2)

يعايرنا المرجفون في الفضاء العام بأنه برلمان يشبه الواقع المصري، وأنه إفراز طبيعي، فلا داعي للسخرية منه أو التمرد عليه أو انتقاده.

وعلى حد تعبير أحدهم لا ينبغي أن ننتظر خريجي هارفارد نوابًا في البرلمان، فنحن أمة لا تحترم العلم ولا تترقى فيه.

وهي مغالطات تفتقر للحد الأدنى من المنطق والذوق العام.

فهي تفترض أن البرلمان ينبغي أن يستوفي تمثيل نسبة الجهل دون العلم، والسوقية دون الانضباط والالتزام. وهي مغالطات تكرس أننا أمة بائسة نستحق حكامنا ونوابنا والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة من المسؤولين.

ثم هي تريد أن تعمم اختيارات لحظة مشوشة في إحداثي مضطرب بعد 4 سنوات من الإجهاد العام، وفي ظل غياب بيئة سياسية سليمة لإفراز حياة سياسية سوية.

أزمة حارتنا هي التفلسف التافه الذي يحاول انتحال المنطق والعمق.

(3)

مشهد الهرج والمرج الذي بدا عليه البرلمان في ساعاته الأولى كان كفيلًا بالإجهاز على بقية الأمل في شباب البرلمان وشرفائه، والذين تسللوا إليه في غفلة من سدنة الجهل الذين قاموا على تشكيله هجينًا مشوهًا إلى هذا الحد.

يغالط البعض باعتبار البرلمان انعكاسا للنظام السياسي بقيمه وتفضيلاته، حين يغضون الطرف عن الحقيقة الأكبر والأبعد، بأنه برلمان مصر.

فكيف إذ بدونا في نظر العالم، بينما يتناوب الأفاضل ممن رأيناهم تشريع أمورنا وتقرير مصائرنا؟

هناك فارق بين صورة نظام يصيب ويخطئ، نتفق معه ونختلف عليه، وبين صورة بلد، تتهاوى يوما عن يوم.

لقد كان في انفراط الصفوف وفي افتقاد النواب القدرة على الانتظام أو على إنجاز انتخاب 3 أشخاص لمنصب رئيس المجلس ووكيليه في زمن معقول دلالة مرعبة.

فالمشهد يبدو كما لو كان من قادم من المستقبل، حيث علامات نهاية الزمان وقرب القيامة.

حيث يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية