حى العباسية زمان كان يضم معظم العائلات الكبيرة.. وكانوا جميعاً على صلة بعضهم ببعض.. يكفى أن تعرف أن شارعين اثنين (شارعى الشيخ محمد رفعت وفهمى) كان فيهما طلعت حرب باشا وماهر باشا والد أحمد وعلى ماهر، رئيسى الوزراء، وسليمان غنام وأحمد عبدالغفار وحسن صبرى، رئيس الوزراء.. وكان قصر فخرى باشا عبدالنور بجوار مخزن الترام فى آخر العباسية.. وكنا نحن فتية وشباب العباسية أصدقاء وزملاء فى مدارس العباسية الابتدائية وفؤاد الأول الثانوية.
وتمر الأيام.. و«تتفرق الخالات» كما يقول المثل.. وتباع القصور وتقام الأبنية الأسمنتية الغبية لتتحول الشقق إلى أتوبيسات!! وتنتهى «حميمية» الحى!!
وفى الخمسينيات.. تلغى ثورة يوليو الأحزاب، ويتحول الصراع بين الأحزاب إلى صراع بين الأندية الكروية!! حتى أصبحت كرة القدم أهم شىء فى البلد!! أهم شىء فى الإعلام بمختلف فروعه وفى الأفلام والأغانى والإعلانات حتى قيل عام 1967 إن سبب النكسة أم كلثوم وكرة القدم؛ كانا أفيون الشعب!!
■ ■ ■
فى هذه الأثناء تعرفت على أحد أفراد الأسرة العريقة.. أسرة عبدالنور.. هو موريس «بك» فخرى عبدالنور، عضو مجلس إدارة نادى الزمالك الدائم، خاصة أنه كان لايزال يسكن فى قصر الأسرة بالعباسية الذى تحول إلى «البيت الأبيض».. ولما كنت الاستثناء الوحيد «الأحمر» الذى أصدر مجلة «الأهلى» كان يقول موريس بك للزملكاوية:
لا تنسوا هناك خطان «حمر»!! فى الفانلة!!
توثقت علاقتى بموريس بك عندما كانت التعليمات أن يسافر معنا فى رحلات الكرة الخارجية، نظراً لإجادته اللغات كأحد أبنائها، ثم هو الرجل المثقف على أعلى مستوى، شيك أنيق لبق، سياسى قديم متمرس على مقابلة الرؤساء والكبار.
الطريف أنه كان هناك ما يسمى بـ«فيزا خروج».. لا تستطيع أن تغادر مصر دون هذه الفيزا.. وكنا ثلاثة ممنوعين من السفر؛ موريس بك ويوسف الشريعى، مدير فريق مصر، وكاتب السطور.. وفى كل سفرية، وما أكثرها فى هذه السنوات؛ كنا أحياناً نسافر مرتين فى الأسبوع الواحد.. فى كل سفرية يذهب إسماعيل كاسب، مدير العلاقات العامة باتحاد الكرة، إلى مكتب على شفيق، مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر ليحصل على إذن لنا بالسفر.
■ ■ ■
على فكرة
قصر فخرى باشا عبدالنور فى آخر العباسية كان آخر القصور التى هدمت.. وكان قصر طلعت باشا حرب لايزال قائماً.. وعلمت أنه أوصى بعدم هدم القصر، ولا أدرى إن كان موجوداً حتى الآن وسط سوق الوايلى!! لذا ألفت نظر وزارة الآثار إلى إمكان استغلاله كأثر لرجل بنى مصر اقتصادياً.
■ ■ ■
لماذا أكتب كل هذا اليوم؟؟
لأننى حرصت على الاستماع إلى حوار أجراه الأخ الزميل العزيز مجدى جلاد مع أحد أفراد هذه الأسرة، التى عاصرت الكفاح الوطنى المصرى منذ ثلاثة أرباع قرن.. ألا وهو منير فخرى عبدالنور السياسى المثقف وقليل ما هم.. ثم هو الوزير الناجح الذى تمسك به أكثر من رئيس وزراء.
لم أقابل منير فخرى عبدالنور سوى مرة واحدة عابرة فى بهو القصر خلال رئاسة الأخ محمود أباظة.. وقد أعجبتنى خلال حديثه التليفزيونى شخصيته ووثوقه من نفسه وعلمه، ووطنيته وخلفيته السياسية.. قد أختلف معه فى بعض الآراء مثل رأيه فى البرادعى الذى هرب إلى الخارج ليحارب بلده الذى وقف معه وأعطاه كل ما يريد وأكثر مما يريد، ولكننى معه إلى آخر المدى فى حكاية صلاح دياب، فهى نقطة سوداء فعلاً على الثوب الأبيض.. ولكن كان كل همى هو البحث عن الرئيس القادم للوفد.. بعد اعتذار كل من بهاء الدين أبوشقة ومصطفى الطويل.. ثم انتخاب منير فخرى عبدالنور هو تأكيد لرسالة الوفد فى يوم مولده.. الهلال تعانق مع الصليب.. شيخ الأزهر تعانق مع البطريرك.. ولو كان إبراهيم باشا فرج قد طال عمره لما بعد فؤاد باشا سراج الدين لتولى رئاسة الوفد، فقد كان النائب الأول.. ولكن السؤال هو:
هل عاد منير عبدالنور إلى الوفد بعد أن ترك الوزارة؟
هذا هو السؤال.. يا رب يكون عاد.