عزيزى نيوتن..
أتابع عمودك اليومى بإعجاب كبير، وأؤيد وجهات نظرك فى الحلول التى تراها لمشاكل مصر، وأؤيدك فى ضرورة تحويل أرض مبنى الحزب الوطنى إلى حديقة كامتداد للمتحف المصرى، كما كان الأمر عند افتتاحه عام 1902.
جل من لا يسهو. المتحف لم ينشأ فى عهد محمد على فى أوائل القرن التاسع عشر، وإنما فى عهد عباس حلمى الثانى (1874- 1944) خديو مصر الأخير. يمكن القول إن مصر الحديثة أسسها محمد على، وبناها الخديو إسماعيل وحفيده عباس حلمى الثانى، وحصد ثمارها الملك أحمد فؤاد، بعد أن تحولت من سلطنة إلى مملكة، وابنه الملك فاروق.
وقد تصادف نشر مقالك عن المتحف يوم ذكرى تولى عباس حلمى الثانى حكم مصر، فى 8 يناير عام 1892، بعد عشر سنوات من الاحتلال البريطانى، وهو الحكم الذى استمر حتى عزله اﻹنجليز عام 1914، كما فعلوا مع جده إسماعيل. ومن المؤسف حقاً ما ينشر عنه على المواقع الإلكترونية، والتى تنقل من بعضها مثل الببغاوات، وحتى عبارة «كان يتقرب إلى المصريين»، وكأنه كان ينافق الشعب، وذلك بعيدا عن مقولة ثورة الجيش عام 1952 بأن حكام مصر من أسرة محمد على لمدة 150 سنة كانوا من «الأجانب»، بينما المصرى من يحب مصر ويعمل لصالحها، وليس بأصله العرقى، وكذلك الفرنسى والسنغالى وكل البشر.
مصرية إسماعيل وحفيده عباس حلمى الثانى ليست فى أن حكم كليهما انتهى بعزل الإنجليز لهما، وإنما لأنهما قاما ببناء مصر الحديثة، وكان هذا سبب عزلهما ونفيهما خارج البلاد، لأن مصر التى تلحق بالعالم الحديث لن ترضى بحكم الإنجليز أو غيرهم من الغزاة.
يصعب حصر اﻹنجازات التى تحققت فى عهد عباس حلمى الثانى (1892-1914) فى هذا العمود، ولكن نذكر متى دعم الحركة الوطنية التى تمثلت فى مقولة أحمد لطفى السيد (مصر للمصريين) لأول مرة منذ الفراعنة، ودعم مصطفى كامل ومحمد فريد، وإصدار أول قانون للأحزاب السياسية عام 1907. وقت أن عرف العالم حاكما يمول سرا الجماعات المسلحة التى تقاوم الاحتلال الأجنبى كما فعل عباس حلمى الثانى.
فى عهد عباس حلمى الثانى تم إنشاء أحياء الزمالك وجاردن سيتى والمعادى فى القاهرة، وقصر المنتزه فى الإسكندرية، وخزان أسوان فى أسوان. وفى عهده عرفت مصر الترام الذى ربط بين الأحياء، وغير وجه الحياة الاجتماعية، والسيارة بعد سنوات قليلة من اختراعها فى أمريكا. وتم إنشاء المتحف المصرى والمتحف القبطى والمتحف الإسلامى والمتحف الزراعى، وتأسست دار المعارف ودار الهلال. وفى عام 1908 تأسست أول جامعة لتدريس العلوم المدنية التى عرفت بعد ذلك باسم جامعة القاهرة، وتأسست فى نفس العام كلية الفنون الجميلة فى القاهرة.
وكانت هذه الجامعة الأولى مwن نوعها فى العالمين المصرى والإسلامى، وكذلك كلية الفنون الجميلة التى تعلم الرسم والنحت بعد تحريم ألف سنة ويزيد.
فى عهد عباس حلمى الثانى تأسس البنك الأهلى المصرى، وتولى دار اﻹفتاء الشيخ اﻹمام محمد عبده، وأقيمت أول مدرسة لتعليم البنات (المدرسة السنية)، ووقفت أول ممثلة مصرية على المسرح (مريم سماط) عام 1907، وأنتج فى نفس العام أول فيلم مصرى (التسجيلى القصير زيارة الخديو لجامع المرسى أبوالعباس فى الإسكندرية)، وتأسست جميعة أنصار التمثيل والسينما عام 1913.
ووجد أحمد شوقى، أمير الشعراء، كل الرعاية، وأنعم عليه الخديو بلقب بك. وكان ما تحقق فى ذلك العهد الطريق إلى ثورة 1919، التى أدت إلى استقلال مصر عام 1922 ووضع دستور 1923، والانفصال القانونى عن اﻹمبراطورية العثمانية عام 1924، وانتخاب أول برلمان عصرى فى نفس العام.
وقد أدرك المصريون مدى مصرية عباس حلمى الثانى وقيمة إنجازاته، وانخلعت قلوبهم مع خلعه، وواجهوا اﻹنجليز بعده بهتافهم التاريخى البسيط والعميق «الله حى... عباس جاى» يهددون به قوات الاحتلال بمجرد التلويح باسمه.
قارئ يحبك ويحب بناة «مصر الحديثة»