كنا، فى وقت من الأوقات، نشكو من إفراط المهندس إبراهيم محلب فى تواجده فى الشارع، وأصبحنا الآن نشكو من تفريط المهندس شريف إسماعيل فى المسألة نفسها، وكأننا لا نعرف الاعتدال بين الإفراط وبين التفريط!
كان المهندس محلب يتواجد فى أكثر من مكان، فى النهار الواحد، وأذكر أنى رصدت له، ذات يوم، تواجداً فى حى دار السلام، ثم فى مجلس الدولة، ثم فى شرم الشيخ، إلى أن عاد لمكتبه آخر اليوم!
ولم تكن شكوانا وقتها موقفاً ضد الرجل، أو ضد جولاته، وتفاعله مع الناس، بقدر ما كانت إشفاقاً عليه، وبقدر ما كانت دعوة إليه بأن يحرك سائر المسؤولين النائمين، الذين هم دون رئيس الحكومة، ليقوم كل واحد منهم بدوره، وبمهمته، فى مكانه.. وأظن أننا نفتقد فى غالبيتنا، فى اللحظة الراهنة، حركة محلب، ونشاطه، وحيويته!
ولأن أسلوب محلب فى العمل لايزال فى الأذهان، ولأن شيئاً فى بلدنا لا ينضبط إلا إذا كان هناك وراءه من يتابعه، ويراقبه، فإنى كنت أتمنى لو رأيت المهندس شريف إسماعيل فى شرم الشيخ، مرة، وفى كفر الشيخ، مرة أخرى، خلال يومين أو ثلاثة!
إن شرم تعانى منذ حادث الطائرة المصنوع، ومن الواضح أن عودة السياحة فيها إلى طبيعتها يمكن أن تستغرق شهوراً، ومن الواضح أيضاً أن الحد الأدنى لهذه الشهور هو الأشهر الثلاثة التى قالت الشركة الإنجليزية، التى تراجع تأمين مطاراتنا، إنها سوف تنتهى خلالها من عملها، ولابد من إنقاذ عاجل للسياحة فى شرم، وهو إنقاذ يمكن أن يأتى عن طريق السائح العربى، الذى يحتاج قطعاً إلى رسائل طمأنة من مسؤولينا، ورسائل إغراء بالمجىء إلى شرم، وغير شرم فى الوقت نفسه.
كان وجود «إسماعيل» فى شرم، خلال حفلات رأس السنة، مهماً، وكان تجواله فى أرجاء المدينة، وفى مطارها، كفيلاً بأن يبعث عدة رسائل إلى السائح العربى الراغب فى المجىء، والمتردد فى الوقت ذاته.. وكان غياب إسماعيل عن مسرح شرم غير مفهوم، فى مناسبة لا تتكرر إلا مرة فى العام، وكان غيابه حتى عن احتفالية الأهرامات مسألة غير مهضومة، وكان غيابه عن الصورة فى مأساة مركب كفر الشيخ مسألة غير مبلوعة!
كان تواجد رئيس الحكومة فى شرم الشيخ وفى الأهرامات مطلوباً، لأن علينا أن نبعث رسائل إلى الخارج، عن السياحة، فى كل وقت، وكان تواجده فى كفر الشيخ مطلوباً بالدرجة ذاتها، لأن علينا أن نبعث رسائل مماثلة، ولكن إلى الداخل هذه المرة، وعن أن حياة المواطن لها ثمن، وأن ثمنها هو قطع رأس كل مسؤول مقصر.
إننى أشعر كثيراً بأن المهندس شريف إسماعيل لايزال يمارس مهام عمله كرئيس حكومة، بمنطق وزير البترول، وهو يتابع أمور شركاته، وأرجو أن أكون على خطأ، ثم أرجو أن نرى من الرجل ما يبدد هذا الانطباع، الذى لا أعتقد أنه عندى وحدى!.. فلاتزال أمامه فرصة، ولايزال عندنا أمل!